قبل عشرة أعوام نجح تسعة عشر إرهابيًا في السيطرة على أربع طائرات، فقادوا اثنتين منها لتصطدما ببرجي مركز التجارة العالمي، وضربوا وزارة الدفاع الأمريكية بالثالثة، وسقطوا بالرابعة في حقل زراعي في بنسلفانيا بعد أن قاومهم الركاب وبات من المستحيل بالنسبة للإرهابيين أن يتموا مهمتهم الحاقدة. في غضون ساعات، انتزعت فجأة حياة ثلاثة آلاف شخص بريء، أغلبهم من الأمريكيين، ولكن منهم أيضًا أشخاصًا من 115 دولة أخرى. كانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر - أيلول من عام 2001 مأساة بكل المقاييس، ولكنها لم تكن نقطة تحول تاريخية. فهي لم تبشر بقدوم عصر جديد من العلاقات الدولية، حيث الغَلَبة لإرهابيين ينفذون أجندة عالمية، حيث تتحول مثل هذه الهجمات الإرهابية البشعة إلى حدث مألوف أو شائع، بل إن ما حدث هو العكس تمامًا، إذ إن يوم الحادي عشر من سبتمبر لم يتكرر. وعلى الرغم من الاهتمام المكرس ل»الحرب العالمية ضد الإرهاب»، فإن أغلب التطورات المهمة على مدى الأعوام العشرة الماضية كانت تقديم وانتشار تكنولوجيا المعلومات المبدعة، والعولمة، والحرب في العراق وأفغانستان، والاضطرابات السياسية في الشرق الأوسط. أما عن المستقبل، فمن الأرجح إلى حد كبير أن يحدد من خلال احتياج الولاياتالمتحدة إلى إعادة تنظيم بيتها الاقتصادي؛ ومسار الصين داخل وخارج حدودها؛ وقدرة حكومات العالم على التعاون من أجل استعادة النمو الاقتصادي، ومنع انتشار الأسلحة النووية، والتصدي للتحديات المرتبطة بالطاقة والتحديات البيئية. والواقع أن الخطأ كل الخطأ أن نجعل مقاومة الإرهاب الشغل الشاغل للحكومات المسؤولة والمحور لكل ما تفعله. فلا يزال الإرهابيون يمثلون عنصرًا شاذًا ويتمتعون بقدر محدود من الجاذبية في أفضل الأحوال. فهم قادرون على التدمير ولكن ليس الإبداع. ومن الجدير بالذكر أن المتظاهرين الذين نزلوا إلى شوارع القاهرة ودمشق للمطالبة بالتغيير لم يصرخوا بشعارات تنظيم القاعدة ولم يدعموا أجندته. ولقد اتخذ فضلاً عن ذلك عدد من التدابير الناجحة لدحر الإرهابيين. فقد أعيد توجيه الأصول الاستخباراتية، وأصبحت الحدود أكثر أمانًا والمجتمعات أكثر مرونة وقدرة على المقاومة. كما زاد التعاون الدولي بصورة ملحوظة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن الحكومات التي لا يمكنها الاتفاق على العديد من الأمور بوسعها أن تتفق على ضرورة التعاون في هذا المجال. كما لعبت القوة العسكرية دورًا. فقد خسر تنظيم القاعدة معقله في أفغانستان بعد الإطاحة بحكومة طالبان التي كانت توفر له الملاذ. أخيرًا تم العثور على أسامة بن لادن وقتلته قوات خاصة تابعة للولايات المتحدة في ضواحي مدينة إسلام أباد. كما أثبتت الطائرات من دون طيارين فعاليتها في قتل عدد كبير من الإرهابيين، بما في ذلك العديد من أكثر زعمائهم أهمية. ومن الممكن أن تصبح الحكومات الضعيفة أكثر قوة؛ ولا بد من محاسبة الحكومات التي تتسامح مع الإرهاب أو تدعمه. ولكن لا ينبغي لنا أن نخلط بين إحراز التقدم وإحراز النصر. إن الإرهابيين والإرهاب مثلهم كمثل المرض لا يمكن أن نخلص العالم منهم تمامًا. وسوف يكون هناك دومًا أولئك الأشخاص الذين سوف يلجؤون إلى القوة ضد الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال في سعيهم إلى تحقيق أهداف سياسية، بل إن الإرهابيين يتقدمون في بعض المناطق. فلا تزال باكستان ملاذًا لتنظيم القاعدة وبعض التنظيمات الإرهابية الأخرى الأكثر خطورة على مستوى العالم. والواقع أن ذلك المزيد من عدم الاستقرار، وضعف الحكومات، والإيديولوجيات في بلدان مثل اليمن وليبيا والصومال ونيجيريا توفر تربة خصبة للإرهابيين للتنظيم والتدريب وشن العمليات كما فعلوا في أفغانستان قبل عشرة أعوام. وهناك مجموعات جديدة تنشأ باستمرار من تحت أنقاض مجموعات قديمة. وهناك أيضًا الخطر المتزايد من الإرهابيين ممن نشأوا في الداخل، كما رأينا في بريطانيا والولاياتالمتحدة. ولقد أثبتت شبكة المعلومات الدولية الإنترنت، وهي واحدة من أعظم الاختراعات، أنها قادرة على العمل كسلاح ذي حدين، فتستخدم لتحريض وتدريب أولئك الراغبين في إلحاق الأذى بالعالم. في شهر أكتوبر - تشرين الأول 2003م أثار وزير الدفاع الأمريكي دونالد رمسفيلد آنذاك سؤالاً بالغ الأهمية: «هل نحن قادرون في كل يوم على أسر أو قتل أو ردع أو أثناء عدد من الإرهابيين أكثر من ذلك العدد الذي يجنده ويدربه وينشره ضدنا في كل يوم؟ أظن أننا قادرون في نهاية المطاف. ولكن حتى النجاحات الصغيرة التي يحققها الإرهابيون تصبح باهظة التكاليف من حيث الأرواح والأموال، وتسفر في النهاية عن جعل المجتمعات المفتوحة أقل انفتاحًا. ولكن ماذا بوسعنا أن نفعل؟ من المؤسف أنه لا يوجد حل سحري منفرد لكل هذا. ولا شك أن الحد من معدلات البطالة أمر مرغوب، ولكن العديد من الإرهابيين لا ينتمون إلى أصول فقيرة. والواقع أن إعانة المجتمعات في الشرق الأوسط وغيره من مناطق العالم على اكتساب قدر أعظم من الديمقراطية قد تؤدي إلى التخفيف من العزلة التي قد تقود المجتمعات بدورها إلى التطرف، بل وربما ما هو أسوأ من ذلك، ولكن القول أسهل من الفعل. لا شك أننا راغبون في الاستمرار في إيجاد سبل جديدة لجعل أنفسنا أقل ضعفًا، وفي الوقت نفسه أضعاف الإرهابيين. ولكن الأمر الأكثر أهمية، وخصوصًا في المجتمعات العربية والإسلامية، هو القضاء على أي قبول للإرهابيين. فالأب النيجيري الذي حذّر السفارة الأمريكية في لاجوس أنه يخشى مما قد يفعله ولده قبل ذلك حاول نفس الشاب تفجير قنبلة على متن رحلة جوية إلى ديترويت في يوم عيد الميلاد في عام 2009 - لهو مثال لذلك. لن تجف ينابيع تجنيد الإرهابيين ولن تحصل سلطات فرض القانون على الدعم الكامل من الناس ما لم يتصرف المزيد من الآباء والمعلمين وقادة المجتمع كما تصرف ذلك الأب. ولا بد وأن يفقد الإرهاب شرعيته بين هؤلاء الذين دعموه تاريخيًا أو تسامحوا معه قبل يفقد فاعليته وسطوته. - نيويورك