تكلمنا في الموضوع السابق عن مثلث برمودا وبعض القصص التي حصلت فيه، وانتهينا بالحديث عن نظرية تحاول تفسير غرائب المثلث، وهي نظرية تقول إن الشحنة الكهرومغناطيسية المنتشرة في المثلث تعطل أجهزة الطائرات مما يُسقطها. هذه نظرية معقولة وتفسر تشتت البوصلات، ولكنها وحدها قاصرة ولا تفسر كل شيء، مثل حالات الاختفاء. هذا يقودنا للاحتمال الأرجح وهو أن الجو هناك هو السبب، فالجو في مثلث برمودا فريد من نوعه، ذلك أنه يحوي أعنف الأعاصير على وجه الأرض. إن أي إعصارٍ قوي هناك يحوي من الطاقة مقدار 10 آلاف قنبلة نووية! والرياح تصل سرعتها إلى 360 كيلومترا في الساعة، أضف لهذا أن ارتفاعات مستوى الماء مفاجئة وأحياناً تحدث بدون رياح، وتصل إلى 15 متراً أي بارتفاع 5 طوابق، وهذه ظاهرة سببها فقاعات غازية في المياه هناك ترفع ما فوقها فجأة من الأسفل. والعواصف الرعدية هناك مرعبة، فالعواصف الرعدية تكون مساحتها محدودة في العادة، أما في برمودا فطول العاصفة الواحدة أحياناً يمتد مسافة قدرها 260 كيلومترا! إضافة للجو فهناك عامل الخطأ البشري، وهذا أيضاً شائع، فحتى إذا كان الجو هادئاً والسماء صافية فإن الطيار يمكن أن يسقط، خاصة إذا كان يعتمد على الرؤية البشرية للملاحة، فعندما يحلق فوق الماء فبعد برهة من الزمن قد تتشوش رؤيته ولا يفرق بين السماء الزرقاء والماء الأزرق، ويقذف بطائرته في الماء وهو لا يشعر، معتقداً أنه لا زال في الهواء بعيداً عن البحر! تخيل الوضع إذا كان الجو غائما مليئاً بالمطر والرعد والصواعق. وهذا مما يبرر سبب عدم إرسال رسائل استغاثة. لكن هنا المشكلة: الاعتماد على نظرية الجو والخطأ البشري لا تكفي لأنها لا تفسر سبب اختفاء السفن والطائرات. يمكن أن نقول إنها سقطت أو غرقت لكن أين آثارها؟ حتى الآن لم يُعثر على أي حطام أو بقايا من المركبات التي اختفت. وهذا أيضاً لا يفسر سبب عدم إرسال رسائل استغاثة، ففي العقود الماضية اختفت 120 طائرة و700 سفينة، كلها لم ترسل رسائل استغاثة ما عدا في حالتين، أولاهما الرحلة 19 التي ذكرنا قصتها في الموضوع السابق، والأخرى حادثة حصلت عام 1980، طائرة صغيرة فيها شابان وأرسل الطيار رسالة استغاثة يقول إن أمامهم جسما غريبا لا يذهب مهما غيروا اتجاههم، وكانت هذا آخر العلم بهما واختفيا مع طائرتهما. وليس فقط رسائل الاستغاثة الصوتية، بل هناك شيء آخر يُضعف نظرية الجو والخطأ البشري، ألا وهو مرسل الطوارئ. في جميع الطائرات تقريباً في أمريكا يوجد جهاز يسمى مرسل أو مرسال الطوارئ، وهو جهاز صغير يرسل رسالة استغاثة آلية بمجرد تحطم الطائرة أو غرقها. هنا المفاجأة: من بين كل حالات اختفاء الطائرات فإن المرسال لم يرسل أي رسالة استغاثة! يا ترى ما الذي يحصل داخل هذا المثلث؟ لا يوجد إلا شخص واحد خاض أهوال المثلث ونجا منها وهو «بروس غيرنون». بروس تاجر عقار، ويحكي قصته فيقول إنه لما كان في جزيرة الباهاما ركب طائرته الصغيرة واتجه صوب ميامي، وفي طريقه رأى غيمة ولم يُعر لها بالاً وطار فوقها، ولكنها تبعته، وارتفع بطائرته وكلما علا علت معه، ثم تمددت السحابة واحتضنت الطائرة بأكملها، ورأى بروس نفسه داخل السحابة وهو يطير خلال طريق أنبوبي مثل النفق، ورأى غرائب داخلها، من ذلك الشرر الكهربائي، أي مثل الصواعق ولكنها شُعل صغيرة بدلاً من خطوط، ورأى خطوطاً تمتد على طول السحابة وتدور عكس عقارب الساعة، وتمالك نفسه وأكمل طريقه حتى خرج من السحابة، وقاس الوقت فرأى أنه لم يقض إلا 30 دقيقة في تلك الغيمة الغامضة، ولكنه اكتشف أنه قطع مسافة هائلة بشكل غير معقول، فقد وصل لمنطقة تبعد ساعة كاملة! وهنا تذكر شيئاً، فلما كان في السحابة قاس بنظره طول «النفق» الذي كان يخترقه ووجد أنه لن يصل لنهاية السحابة إلا بعد 3 دقائق، ولكنه وصل في 20 ثانية! يعتقد بروس أنه اخترق الزمن في الحالتين، وأعطى اسماً لتلك الغيوم التي ترافق الشخص وتشوش عليه وهو اسم «الضباب الإلكتروني»، وهي كتلة غيمية ترافق الطائرات بل تلاحقها وتشحنها بالكهرومغناطيسية مما يفسأجهزة الملاحة ويشوش الرؤية البشرية، وبدأ بعض العلماء الآن يدرسون هذه الحالة معتمدين على تجربة بروس، الناجي الوحيد من هذا المثلث الغامض... مثلث الشيطان.