الاعمار بيد الله وما يرعب بعض الناس ان يكون معلقاً بين السماء والأرض يحمله محركان ومحاط بآلاف الاسلاك والدوائر الكهربائية وهو لا يملك لو حصل للفلك الطائر مكروه طريقاً للهرب ولا وسيلة للنجاة ومع ذلك ترى الركاب أثناء الطيران سعداء ضاحكين يأكلون ويشربون ويتسوقون. ومن العجب الذي ليس بعده عجب ان يطير هذا الفلك الفضائى بآلاف الأطنان من الأمتعة والبشر ثم يهبط على الأرض بهدوء وسكينة وسلام. ويقضي بعض الوجهاء وأهل السياسة في جوف الطائرات أكثر مما يقضونه على وجه الأرض ويستمتعون باسفارهم فهذا مثلاً رفيق الحريرى كان يدور الدنيا بطائرته الخاصة ثم مات مقتولاً على سطح الأرض وياسر عرفات كان كثير الاسفار وقد سقطت به طائرة في الصحراء ومات أغلب ركابها ولم يصب هو بمكروه ثم مات بعد سنين مريضاً أو مسموماً. وقال أحد الكباتن المخضرمين لو عرف الركاب ما يجري في غرفة القيادة لما سافر أحد ويناقض قوله وجود طيارين مضت عليهم أربعون سنة ومازالوا يطيرون ولو كان في الأمر خطر لتقاعدوا مبكرين. والطيارون السعوديون من أفضل طيارى العالم وقد قرأت قصصاً عن قوة أعصابهم عند الشدائد وحسن تصرفهم عند الخطر اضافة لديانتهم وعبادتهم مما مكنهم بفضل الله تعالى من المحافظة على ركابهم وشحناتهم فمثلاً ذلك الطيار السعودي الذي قرأنا قصته مؤخراً والذي اصابته أثناء الطيران أزمة قلبية فلم يخبر أحداً وقاد طائرته بأمان لمطار الدمام ثم ذهب للفندق ومات بالمستشفى. وقد اثبت طيارو مروحيات الدفاع المدني السعوديون بطولات خارقة في سيول جدة ولو فعل ذلك غيرهم لتكلمت عنهم صحف العالم مثل ما تكلمت عن الطيار الذي هبط بطائرته سالماً على صفحة نهر هدسون. ومن الغرائب أيضاً ان تتحطم طائرة في الجو وينجو شخص واحد مثل ما حدث للطائرة الليبية التي سقطت قبل سنة ومات جميع ركابها عدا طفلة صغيرة كتب الله لها بقية من العمر. وطائرة ليبية سقطت فوق سيناء قبل ثلاثين عاماً ومات جميع ركابها إلا راكباً مصرياً واحداً وجدوه متكئاً على الرمال وحاله احسن مما لو هبط طبيعياً في المطار وقال لمنقذيه عمر الشقي بقي. ونجت امرأة أفريقية بمفردها في حادث تحطم الطائرة اليمنية قبل سنة وبقيت لوحدها في ظلام الليل تصابر برودة ماء المحيط متعلقة ببقايا حطام حتى وصلها المنقذون. وغضب الفرنسيون من سقوط الطائرة اليمنية واتهموا طيران اليمن بالتقصير مع انه سقطت لهم قبلها بشهر طائرة من نفس النوع ومات جميع ركابها والسبب ان حق السقوط مثل حق الفيتو لاتستحقه الا الدول العظمى. وهكذا كما يقول العرب: الآجال تجري على احكام المقادير وتمتنع على التقديم والتأخير. قال تعالى (وماكان لنفس ان تموت الا بإذن الله كتاباً مؤجلاً).