لعلَّ من أهم ما تحمَّله عاتق خادم الحرمين الشريفين عمن سواه من البشر، وما خصه الله به عن غيره من الناس هو مسئوليته تجاه هذين الحرمين اللذين أصبحا يحيطان باسمه إحاطة السوار بالمعصم، فلم ينفكا عنه وما انفك عنهما، عنايةً ورعاية، وفادةً ورفادة، منذ توليه - يحفظه الله - مقاليد الحكم وهو لا يدّخر جهداً في خدمتهما، وخدمة ضيوفهما المتقاطرين عليهما أفواجاً من كل فجٍّ عميق. لم يعلن - حفظه الله - توقيت مكة توقيتاً عالمياً وحسب، بل إنه إعلان عهد جديد ستشهده تلك البقاع الطاهرة التي تشرئب إلى أركانها الأعناق من كل حدبٍ وصوب، فلا تسمعُ إلا عبارة شكرٍ هنا وهناك، يلهج بها زوار هذا البيت ومعتمروه سائلين المولى عز وجل بقلبٍ صادق أن يديم على هذه البلاد أمنها وأمانها وأن يحفظ لها هذه القيادة الرشيدة التي تخشى الله في رعيتها، بل وتستشعر مسئوليتها في أن يلمس ذلك الأمن والأمان كل من يطأ أرضها. نعم إنها مسؤولية القائد الإنسان الذي يتجرَّع همّ المسؤولية الملقاة على عاتقه، ويستشعر عظمة ما أحاطته عنقه من مسؤولية تجاه قبلة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، حتى تقاطر على تلك المشاعر عبق ذلك الشعور بما كلفه الله به، فما إن تجف حجارة مشروع حتى ويعقبه آخر، إحساساً بأنه مهما بذل في سبيل هذا البيت المعظم وفي سبيل هذين الحرمين الشريفين فإن خادمهما - يحفظه الله - ما زالُ تواقاً إلى الكمال ولا شيء غير الكمال بقدر ما يعينه الله عليه. لقد جاءت توسعة خادم الحرمين الشريفين المباركة للمسجد الحرام لتكون نقلة نوعية يتوِّج بها كل ما سبقها من مشاريع توسعية، لتكون أكبر توسعة يشهدها عبر التاريخ، وليأذن بميلاد فجرٍ جديد للبلد الحرام، ولتأخذ مكةالمكرمة حقها من الريادة تحت مسمى مشروعها الحيوي العملاق: «مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لإعمار مكة». نعم إنها ملحمة ليست كأي ملحمة، إنها ملحمة الخير والسلام وإعمار الأرض، بل إعمار أشرف بقعة على وجه الأرض، سطَّرت بطولتها الخالدة أنامل خادم الحرمين الشريفين، وكما قال عنه أمير منطقة مكةالمكرمة خالد الفيصل إنه «الملك الذي أحب الناس فأحبوه، وصدقهم فصدقوه، واحترمهم فاحترموه»، وليس هذا مقام المدح والثناء، بل إنه مقام الاعتراف بالحق لأهل الحق، واعتراف بالفضل لأهل الفضل بعد توفيق الله وكرمه، فهنيئاً لنا بهذا الملك الإنسان، بل هنيئاً للشعوب الإسلامية أن هيأه الله لخدمتها والسهر على راحتها، وقد آن لمكة أن تكون كما شاء الله لها أن تكون.