يقول خبر من مصدر رسمي سوري تابع للنظام: (قامت مجموعة مسلحة صباح أمس باختطاف القاضي عدنان بكور المحامي العام بحماه أثناء توجهه إلى عمله في العدلية على طريق كفر نبوذة - كرناز مع سائقه بهاء اليوسف ومرافقه محمد صدراوي. ونقل مراسل سانا - وكالة الأنباء السورية - عن قيادة شرطة المحافظة قولها إن عملية الاختطاف جرت عند وصول القاضي بكور ومرافقيه إلى قرية كرناز حيث اعترضهم سبعة مسلحين ببنادق حربية وأسلحة رشاشة كانوا يستقلون سيارة بيك أب نوع تويوتا لها صندوق خلفي وسرفيساً من نوع مازدا واقتادوهم إلى جهة مجهولة تحت تهديد السلاح). بينما الحقيقة التي أثبتها القاضي عدنان بكور نفسه، تؤكد أن هذا القاضي قد انشق واستقال من النظام، رافضاً ما تقوم به السلطات في بلده من ممارسات إجرامية في حماه، وأن مجموعة من شبيحة النظام حاولت اختطافه وتوارى عنها؛ أعلن ذلك بلسانه على إحدى الفضائيات التلفزيونية؛ فانكشفت كذبة النظام؛ واتضح أن الذي يحاول أن يفبرك (المؤامرات)، ويكذب بغباء لا يقع فيه حتى البسطاء من الناس هو النظام نفسه، في حين أنه يرمي بهذه التهمة على الآخرين. مثل هذا الأسلوب الإعلامي (المفبرك) والرخيص قد ينجح في زمن مضى، أما في هذا العصر، حيث تحررت الوسائل الإعلامية من تسلط الأنظمة، ومن حصار المعلومة؛ وصار في مقدور حتى الأطفال أن يصبحوا مراسلين صحفيين، يُسجلون الحقيقة والأحداث من خلال (جوالاتهم) بالصوت والصورة، ويرسلونها عبر وسائل التواصل الاجتماعي على الإنترنت إلى كل العالم، فإن مثل هذه الأساليب (العتيقة) عِتَق عقليات الحرس القديم في نظام البعث المتكلس، ستنفضح، وسوف تؤثر فضيحتها على ثقة الناس بصدقية أجهزة النظام الرسمية، فتصبح أية معلومة، حتى وإن كانت صحيحة، عرضة للتشكيك دائماً؛ وهذا أخطر بكثير من انشقاق قاض، أو تمرد مجموعة من أفراد الجيش أو الأمن. غير أن هذا النظام المتكلس وهو يحاول أن يُواري جرائمه، ويخفي فضائحه، سوف يحرق أية ورقة دون تفكير في العواقب، مهما كانت أهميتها وقيمتها، ويختلق من الأكاذيب ما يتوارى خلفها من فضيحة رئيس (يقتل شعبه)، ويمارس معهم كل هذه الأساليب الوحشية، لمجرد أن يبقى في الحكم. ومن يتابع أجهزة النظام السوري الإعلامي الرسمية لا يحتاج إلى كبير عناء ليدرك أنها لا تمت للعصر بصلة. فاللغة الدعائية المتخشبة كما هي منذ الخمسينات من القرن المنصرم لم تتغير. الطرح مجرد شعارات فارغة لا يمكن أن يقبلها أحد. تبرير المواقف، ومنطقها وسياقاتها، مضطربة إلى درجة مثيرة أحياناً للضحك؛ وما ذكرته آنفاً هو مثال جيد لمثل هذه التبريرات المفبركة. غير أن السؤال الأهم: هل بإمكان الإعلام أن يصلح ما أفسده السياسيون المتكلسون؟ .. السؤال بصيغة أخرى: هل بإمكان الإعلامي الفطن والمحترف، الذي يعرف كيف يُشكل ذهنية المتلقي ويُعيد صياغتها بما يخدم هدف السياسي، قادر على تبرير أو الدفاع عن أية ممارسة غبية أو غير مبررة أو مفضوحة؟ الجواب دون أية مواربة، وبكل وضوح: لا .. القذافي، وهو رمز من رموز الحكام المتكلسين، عندما شعر أن الحكم بدأ يفرط من يده، وأن الثورة القادمة إليه من الشرق تقوى، ويشتد عودها، يوماً بعد يوم، وأن (وسائل) الإعلام الفضائية جزء رئيس من الحملة عليه، حاول أن يُعطي لقنواته الفضائية سقفاً من الحرية كان محرماً عليها في الماضي أن تلامسه. غير أن قراره برفع سقف الحريات فشل، وصارت محاولاته اللاهثة والمتأخرة لإصلاح وسائل إعلامه مثار تندّر بين الناس، وتأكدت مقولة: لا يصلح العطار ما أفسد الدهر؛ أو بلغة أدق: لا يصلح الإعلام ما يفسده تاريخ السياسي. إلى اللقاء