لم نكد ننسى الجريمة البشعة التي تعرّض لها شاعر يمني منذ بضعة أشهر، حينما تم قطع لسانه، لأنه شاعر ووسيلته الأهم لإيصال رسالته هي الكلام، حتى فجعتنا الصحافة بخبر فنان الكاريكاتير السوري الشهير علي فرزات، وتعرَّضه للاختطاف فجراً، وضربه وكسر أصابع يديه، لأنهما وسيلته الوحيدة للنقد ومناشدة الحرّية والكرامة. هكذا كانت السلطة بكل ما تملكه من آليات ودبابات ومدرعات تواجه ريشة فنان أعزل، بندقيته كانت ريشته فحسب، لم تعجبها مواقفه وانتقاده الصريح المباشر، ونشر أعماله في موقعه على الإنترنت، فأرسلت له هؤلاء كي يقطفوا ريشته، ويسددوا له ضربات في وجهه ورأسه، في أسلوب ترويع أقل ما يوصف به أنه همجي ومتخلّف. الكاريكاتير قد يختلف عن الفنون الأخرى، فهو ليس تشكيلاً ولا فوتوغرافاً، وهو ليس شعراً ولا مقالة صحفية، هو أكثر شراسة من هذه جميعاً، لأنه يأتي بجميع لغات العالم، أداته الخطوط السوداء الرفيعة، لا يتوسل الكلام ولا الشرح ولا الإطناب، رسم تعبيري واضح ومباشر، يفهمه المثقف وسائق التاكسي، ويدركه العربي والفرنسي والتركي، وهكذا أصبح فن علي فرزات منذ سنوات بعيدة فناً عالمياً، وشهرته وصلت معظم الصحف العالمية والقراء الأجانب، فما الحل مع هذا البسيط العميق سوى الحل البسيط البدائي وهي كسر يديه!. هكذا قرأ النظام السوري المشهد الكاريكاتوري الذي يقاتل به فرزات، فلم يعد مجدياً، في نظرهم، أن تعزله من صحافة بلاده، ولا أن تطارد الصحف التي تنشر له في لبنان أو الكويت، فالأفضل أن تقتص منه، وهي الحالة التي تعرَّض لها من قبل الراحل ناجي العلي، حينما تم اغتياله في شوارع لندن أواخر الثمانينيات من القرن الماضي. صحيح أن الفلسطيني ناجي العلي مات، لكن حنظلة -شخصيته الأثيرة في لوحاته وهي عبارة عن طفل في العاشرة يضع يديه خلف ظهره- لم يمت، بل انتشر في العالم كله، إذ تجد هذه الشخصية ملصقة على سيارات الشباب في غزة والقاهرة والرياض ودمشق. أفكّر بالطريقة التي تعلن التضامن الكبير مع فرزات، صحيح أن كل ما فعلته الاتحادات والنقابات في العالم العربي من وقفات احتجاجية ودعم لهذا الفنان الذي تعرّض لحرمانه من وسيلته الوحيدة في التعبير، أعني يديه، هي أعمال نبيلة ومشرّفة، لكن ماذا لو تم الاتفاق على يوم محدد، في ذكرى اليوم الذي تعرّض فيه إلى الحادثة، بعد شهر مثلاً من مرورها، واتفق جميع فناني الكاريكاتير في الوطن العربي من خليجه إلى محيطه، بأن تخصص رسوماتهم ذلك اليوم لنصرة فرزات ومؤازرته، كل فنان بطريقته، فمؤازرته والتضامن معه هي أبسط حقوقه عليهم، وهي أبرز أدوار الفنانين في العالم، الذين قد يتعرضون إلى ما تعرض له يوماً ما. كلما تذكّرت إجابة ناجي العلي حينما سأله الصحفيون: متى نرى وجه حنظلة؟. حيث شخصية حنظلة تدير ظهرها إلى القارئ منذ نكسة 1967م وحتى اليوم، وقوله بأنه سيظهر وجه حنظلة أمام الناس حينما تصبح الكرامة العربية غير مهددة، وعندما يسترد الإنسان العربي شعوره بحريته وإنسانيته... أشعر أنه اقترب الوقت لنرى وجه حنظلة، وأن فناناً عالمياً وكبيراً كعلي فرزات قادر على حمل الراية البيضاء بعد العلي، وإظهار وجه حنظلة أمام الملأ.