ليلة القدر ليلة مباركة شرفها الله على غيرها، ووصفها الله سبحانه وتعالى بأنها مباركة لكثرة خيرها وبركتها، ومن بركتها أنه أنزل القرآن الكريم في هذه الليلة المباركة حيث قال تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة القدر)، كما أن الله يقدر فيها الأرزاق وأمور العباد وتأخذ الملائكة صحائف الأقدار عاماً كاملاً من ليلة القدر إلى ليلة قدر أخرى، فلا يبقى جليل ولا حقير إلا كتب الله أمره عاماً كاملاً، قال تعالى: (...إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) (الدخان) كما أن الله يعظم قدر من أحياها وقامها إيمانا واحتساباً، ويغفر له ما تقدم من ذنبه كما قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: « من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه « متفق عليه، وهذا الحديث يدل على مشروعية إحيائها بالقيام وصلاة القيام أفضل ما يقوم به العبد من العبادات في ليلة القدر، إلا أن هناك عبادات أخرى كثيرة يمكن للعبد أن يتقرب بها إلى الله في هذه الليلة المباركة مثل: قراءة القرآن، الذكر من تسبيح وتهليل وتحميد وما أشبه ذلك، فيكثر من قول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله وبحمده، وسبحان الله العظيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وهذا بالطبع إلى جانب الصلاة على النبي- صلي الله عليه وسلم - وهي أفضل الذكر، كذلك الاستغفار: فيكثر من قول أستغفر الله، ومن الأعمال أيضا: كثرة الدعاء فيستحب كثرة الدعاء في هذه الليلة المباركة، لأنه مظنة الإجابة، ويكثر من طلب العفو والعافية كما ثبت ذلك في بعض الأحاديث، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: « قلت: يا رسول الله، إن علمت أي ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها؟، قال: قولي: اللهم إنك عفوٌ كريم تُحب العفو فاعف عني «، وتحري ليلة القدر يكون في العشر الأواخر من رمضان، كما روى البخاري أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: « تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان « وهي آكد في ليالي الوتر من العشر الأواخر، لحديث عائشة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: « تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر « (رواه البخاري) وأكد ما تكون في السبع الأواخر، وعليه فلا يمكن لأحدٍ أن يجزم بليلة بعينها أنها ليلة القدر، ويذكر العلماء عن سبب إخفاء هذه الليلة المباركة أنه تعالى أخفى هذه الليلةوجوه عدة منها: أنه تعالى أخفاها، كما أخفى سائر الأشياء، فإنه أخفى رضاه في الطاعات، حتى يرغبوا في الكل، وأخفى الإجابة في الدعاء ليبالغوا في كل الدعوات، وأخفى الاسم الأعظم ليعظموا كل الأسماء، وأخفى الصلاة الوسطى ليحافظوا على الكل، وأخفى قبول التوبة ليواظب المكلف على جميع أقسام التوبة، وأخفى وقت الموت ليخاف المكلف، فكذا أخفى هذه الليلة ليعظموا جميع ليالي رمضان، ومن هنا صار كل مؤمن يرتجيها بروح مشتاقة وبقلب يهتز إليها حنيناً وبعيون ترنو مجيئها من على مسافة لا يمكن لها أن تتكرر في السنة إلا مرة واحدة فمن تفوته لا يقدر على إدراكها حتى تعود في وقتها من السنة المقبلة، فهنيئا لمن يستثمرها في الطاعة والعبادة والذكر والدعاء. اللهم وفقنا لقيام ليلة القدر واجعلنا من المقبولين في هذه الليلة المباركة وفي جميع ليالي هذا الشهر الكريم. - الرياض [email protected]