هو ذلك الإنسان.. الذي تراه بقسمات وجهه الدقيقة والحادة وبعدسات نظارته السميكة يكاد لا يبتسم أبداً، لا يرفع رأسه عن تدقيق ومراجعة كل شيء، ويضع الخطوط والملاحظات بقلمه الأحمر الجاف على كل ما يقع تحت يديه من أوراق ومعاملات، ولإخلاصه ودقته تحال كل المعاملات المهمة والتي تتطلب إجراءات حاسمة إليه ليراجعها ويدقق في كل تفاصيلها قبل إقرارها.. في عرف المسؤولين عنه هو إنسان مخلص، لا يمكن إغفال كفاءته ودقته وقدرته العجيبة على حفظ وتفسير القوانين. تأتي القرارات الملكية الأخيرة، بما تحمله من خير لكل المواطنين، وبما تحققه لهم من تلبية لمعظم احتياجاتهم ومطالبهم، لكنه على غير الناس كلهم، يستلم القرارات، ويعود لدفاتره القديمة وما دوّن فيها من ملاحظات، يبحث في كل الملفات ويراجع ما سبق من قرارات، يغوص في الماضي بحماس غريب، ويقرأ النصوص ولا يهنأ أو يهدأ حتى يخرج في نهاية غوصه بصيده الثمين، فقد رصد ألف ملاحظة وملاحظة أولها يتحتم إكمالها قبل تنفيذ أي قرار.. السيد مخلص يرفع تقريره للمسؤولين.. في تقريره لا يتحدث عن عدد المستفيدين، بقدر ما يركز على بضعة ملايين تم توفيرها لخزينة الدولة، حرم منها مواطنون جراء ما رصده من ملاحظات وبينه من تفسيرات لا تبحث في جوهرها عن تحقيق المقصد والغاية السامية من القرارات بقدر ما تعكس جبلة هذا الإنسان.. تتعطل مصالح كثير من العباد، وتأتي الاستفادة من قرارات استهدفت راحة المواطن ورفاهيته ومعاونته على تلبية احتياجاته منقوصة وباهته، فالسيد مخلص في كل مرة يضع عقدة أو يبرز ملاحظة لتعود المعاملات تجري في دوائر لا تنتهي، لينعكس هذا سلباً على المواطن ورضاه.. الفساد لا يعني غياب الضمير فقط، والتلاعب بمقدرات الدولة، فالفساد يمكن أن يكون أيضاً في شح النفوس وفي العقول وطرق التفكير، وفي فساد فهم كثير ممن يعول عليهم لتحقيق مصالح المواطنين.. والله المستعان. [email protected]