يتقدم المواطن البسيط القادم من منطقة نائية إلى الدائرة الحكومية بمعاملته الكاملة الشروط حسبما يعتقد أو حسبما هو متبع أو حسبما يقال له ثم ينظر إليها الموظف أو إليه سيان نظرة (شزراء) أو قشراء لا فرق ثم يقول له بلا اكتراث أوراقك ناقصة (رح كملها) ثم (يحذفها) إليه ويتفقعس) على الكرسي الهزاز ليكمل حديثه بالهاتف، يعود المواطن إلى قريته أو هجرته النائية و (يصور) كل ما في بيته من أوراق رسمية ويحملها بملف علاقي منتفخ (كالجراب) ثم يضع كل الملف على طرف طاولة الموظف ويقول له بكل ثقة: أطلب ما شئت من أوراق بدءاً من الهوية الوطنية وحتى فواتير الكهرباء والماء بل حتى فواتير الميكانيكي الذي أصلح سيارتي بالأمس لكثر ما قطعت من وديان وجبال وطرق ترابية لكي أصل إليك.. آنذاك يحك رأسه الموظف أو يعدل نظارتيه اللتين تشبهان قعر زجاجة الكولا لكثر ما يدقق - حرفياً- من أوراق ثم يقول له (راجعنا بعد شهر أو شهرين أو سنة !! لأن جناب الموظف (لا تفرق) لديه الأيام والشهور مثلما تفرق عند المواطن البسيط الذي تتعطل (لربما) كل أعماله من أجل تلك المعاملة المؤجلة. ثم إنه لما يجيء الموعد يركب سيارته (القرنبع) ويراجع ذات الموظف الذي يقول له اذهب إلى (فلان ثم يأتي إلى فلان ليقول له اذهب إلى (علان) ثم يقول له علان أعتقد أنها عند المدير- أي الموظف الأول الذي يرتدي النظارة إياها ثم (يخمخم) أدراج مكتبه والخزانة التي يعلوها الغبار بجانبه ثم يخرج نفس الملف المنتفخ وبدون (مزاج) ليقول له: (ما يصير)، يحاول المواطن البسيط أن يفهم هذا الذي (ما يصير) ولكن بدون جدوى وهنا يتوجه (حسيراً كسيراً) إلى أعلى هرم في الوزارة وبعد محاولات مضنية (يفوز) بالوقوف أمام الهرم ويقدم له كتاباً يشرح فيه معاناته الذريعة مع الموظف الفلاني الذي يقبع في الدائرة الفلانية عند ذلك (وبنصف استماع) يكتب عليها الهرم (للإفادة) ثم يعود ثانية بعد شهر أو شهرين ليجد الموظف ذا النظارة السميكة لم يزل يقبع خلف طاولته ثم ما إن يراه حتى يقول: هل ذهبت لتشكونا؟! للمراجع العليا حسنا ولأن التوجيه مكتوب عليه للإفادة فإن الموظف أياه سيبحث عن ثغرة ولو بحجم خرم الإبرة وإن لم يجدها فإنه سيخترعها من عندياته لعرقلة معاملة المواطن المسكين انتقاماً منه لشكواه وبالطبع ستتوقف المعاملة أو (تحفظ) إلى أجل غير مسمى وإلى أن ييأس المواطن من المراجعة أو أنه يتوجه ثانية للمرجع الكبير أورم الوزارة ليشكو له الحال في خطاب جديد فإذا كان ذا حظ سيئ فإن المرجع يقول له ما يصير وإذا كان ذا حظ كبير وتفهم موضوعه المسئول الكبير وكتب على معاملته (يعتمد) فإنه لا شك سيفرح كثيراً ويعتقد أن (العقدة) قد حلت تماماً إلا أنه سرعان ما يحبط حينما يقول له ذات الموظف ذي النظارة راجعنا بعد شهر وهكذا يعد الأيام يوماً يوماً إلى أن يجيء موعد المراجعة لذلك يهرع مسرعاً إلى الدائرة الأولى ثم يقول له الموظف إياه إنها عند الموظف فلان وفلان في إجازة وكأن أعمال كل تلك الوزارة تتوقف على فلان المجاز. وهكذا ينتظر المواطن البسيط عودة الموظف الفلاني من إجازته الميمونة ليفرج عن معاملته المسجونة في درج مكتبه فإذا ما عاد الموظف المنتظر وراجعه المواطن فإنه سرعان ما يقول له (ما عندي فكرة عنها رح للمدير) وهكذا يبقى يدور بين الموظف والمدير وكأن تلك المعاملة قد ابتلعتها الأرض أو خطفها الجن: وبعد أن يتعب المواطن حد اليأس فليس أمامه سوى أن يبحث عن (واسطات) متعددة المستويات لذلك أنصح كل مراجع أن يتأبط كل الجرائد التي نشرت أوامر خادم الحرمين الشريفين المتعلقة بالشفافية وسرعة الإنجاز مشفوعة بهاتف هيئة مكافحة الفساد!!