بدءاً اسمحوا لي أيها الإخوة القراء أن أصارحكم، وقبل الولوج في الحلقة الثالثة من مقالتي هذه (حماة الدمار)، بأن القلب - والله - ينزف (حزناً ودماً) مريراً على ما ستؤول إليه الأمور في بلد عربي يضعه حاكمه بسبب العنجهية والغطرسة تحت جرافات الشرّ الأجنبية الهائلة التي ستجتاح بلده وما تبقى من شعبه الأبي، ليصبح ثاني حاكم عربي يجلب لبني قومه ولنفسه الذل والعار والشنار والمهانة الكبرى حينما تغزوه حشود الجراد الإلكتروني (الأجنبي) الذي سيأكل الأخضر واليابس من بلاده الجميلة، بينما أشقاؤه وأصدقاؤه لا يملكون سوى إسداء النصح لتجنب السيناريو القادم الذي يذكرنا نحن العرب بما حصل لنظيره الراحل صدام حسين، الذي تميز سلوكه بالعنجهية وعدم سماع نصح الأشقاء والأصدقاء وأكبر الحلفاء وأعني بالأخيرة روسيا التي أبلغته على لسان (بريماكوف) أنها لن تستطيع حمايته!! مما أوصله إلى ذلك الموت المُهين على الرغم من كل ما كان يملك من القوة العسكرية وحراس كرسيه المتعددي التصنيفات والتسميات ليتركوه بالتالي وحيداً ليلقى ذلك المصير، لأنه لم يعد يستمع حتى لقادته المخلصين، لذلك انفضوا من حوله ولم يكونوا ملومين في ذلك إذ ذاك. وما دام الشيء بالشيء يذكر فإن الملومين اليوم هم (حُماة الديار) لا غير، وأعني بذلك الجيش السوري الباسل الذي كان أمل العروبة والعرب في تحرير فلسطين هو وشقيقه الجيش المصري البطل، ولا سيما حينما قامت حرب (تشرين - أكتوبر 1973م) الذين أبلوا بلاء حسناً على جبهات القتال، بل كادوا أن يحققوا الأمل العظيم لولا (خيانات السياسة) التي عادة ما تُجهض آمال الجيوش. وأعني بذلك الجيشين اللذين ذكرتهما آنفاً في هذا المقال واللذين كدّسا أسلحتهما الهائلة التي اشتراها سماسرة السياسة بمال تبرعات المواطنين العرب الذين كانوا يحرمون أطفالهم حتى من (سندويشة الفسحة) حينما يذهبون إلى مدارسهم التي تعلمهم قبل (فك الخط) النشيد الوطني الذي يشيد (بحُماة الديار) هكذا: (حماة الديار عليكم سلام أبت أن تُذّل نفوس الكرام) أقول في ذلك الوقت كان الشاب العربي في دول (الصمود والتصدي) يترك حقله وماشيته ودكانه ومشغله ليلتحق (بحماة الديار) سواء أكان ذلك اختيارياً أو إجبارياً دون أن تسأل السلطة السياسية عن انقطاع مصدر عيش أسرته من تلك الموارد الضئيلة التي ذكرناها لأن همها إذ ذاك - أي السلطة - هو ديمومة دعم (المجهود الحربي) إذ (لا صوت يعلو على صوت المعركة).. وهكذا بقيت أسلحة حماة الديار - منذ تشرين حتى اليوم مكدّسة بانتظار معركة لم ولن تجيء مع العدو، لأن القضية الفلسطينية طوتها أيدي المفاوضين (الذين أصبحوا هم والعدو (خوش بوش) يجلسون حول طاولة واحدة ويأكلون من صحن واحد (وطز) بدماء كل من استشهدوا في سبيل هذه القضية (!!). وهكذا أسدل السياسيون الستار على دور حماة الديار الذين لم يعد لهم دور سوى ممارسة التمارين الرياضية وطابور التفتيش وتلميع (البساطير) وأداء التحية للضباط وتزييت السلاح الذي علاه الصدأ بانتظار الأوامر لممارسة دورهم الحقيقي واستخدام أسلحتهم التي لم تعد صالحة في هذا العصر. وأخيراً وأخيراً جاءتهم الأوامر بارتداء ملابس الحرب وظنوا أنهم سيتوجهون إلى الجبهة لتحرير ما استقطعه العدو من بلادهم، لكن المفاجأة المخزية لحماة الديار هو أن الأوامر تقضي بتوجيه أسلحتهم لمن اشترى لهم هذه الأسلحة ومن دم قلب الشعب، الشعب الذي كافؤوه أخيراً بالقتل وأصبحوا (واخزياه) يدمرون وطنهم من أقصى جنوبه (درعا) إلى شماله (حماة)، لذلك حق لمواطنيهم المخذولين بهم أن يصموهم (حماة الدمار) بدلاً من (حماة الديار) أو بالأصح دمار (حماة) إن صحت التسمية!!