شهر رمضان ننتظره في كل عام مرة، ونسأل الله أن يبلغنا إياه إنه شهر رمضان الكريم، شهر الصوم والقيام وقراءة القرآن، شهر مضاعفة الأجور وصفاء الصدور والتراحم والتغافر والتسامح، شهر تفتح فيه أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب النيران وتصفد فيه الشياطين، شهر كان صحابة النبي صلى الله عليه وسلم يستعدون له قبل قدومه بستة أشهر فيهيئوا أنفسهم للطاعة والعبادة ويستقبلونه بالتوبة من الذنوب والمعاصي وبرد الحقوق إلى أهلها وتصفية القلوب من الغل والحسد والشحناء والبغضاء، والإلحاح على الله بالدعاء ليبلغهم الشهر الكريم. يأتي هذا الشهر على كل منا بعد عام حافل بالأحداث منها ما يسر ومنها ما يحزن ومنها ما نعتز به ومنها ما نأسف عليه، عام عصفت فيه أحداث كثيرة محلية ودولية، حتى أن الإنسان ليستيقظ كل يوم ليسأل: ما الجديد؟ بل إن الأحداث تتوالى ساعة بعد ساعة والأخبار العاجلة لا تهدأ حتى أصبحت القلوب مضطربة والنفوس وجلة والأمزجة متعكرة، فالثورات العربية من جهة والأحداث الاقتصادية من جهة أخرى والاضطرابات تتوالى وتقسيمات الدول تسير وفق مخطط مدروس، وأحداث الاغتيالات والإرهاب أصبحت طبيعية، ويتساقط الناس الواحد تلو الآخر، ولا يعرف الإنسان من ذلك مخرجًا فهو محاصر بوسائل اتصال، فالقنوات الفضائية من جهة والجوال من جهة وشبكة الإنترنت من جهة أخرى، فالأخبار أصبحت تتوالى عليه كالسيل المنهمر، وهو لا يملك إلا أن يتفاعل مع تلك الأحداث باعتباره جزءاً من هذا المجتمع، وفي خضم كل ذلك يأتي شهر رمضان بأجوائه الروحانية وما فيه من صيام وقيام وقراءة للقرآن ليكون أشبه ما يكون بعلاج نفسي لكل تلك الضغوط. وعلى الرغم من فضل الله على البعض أن بلغهم رمضان في حين توفى آخرين، وعافى البعض في حين اُبتلي آخرون بالمرض، وأنعم على البعض في حين يعاني كثيرون قلة الطعام والشراب، إلا أن أولئك لم يقدروا كل هذه النعم ويأبوا إلا أن يمر عليهم رمضان دون أن يتعرضوا لنفحاته الطيبة، ويحرصوا على الاستفادة مما فيه من خيرات وفوائد عظيمة، فمن أولئك من جعل برنامجه في رمضان نومًا في النهار وقنوات فضائية أو تسكعاً في الأسواق في الليل، فلا شعور بالصوم ولا حرص على القيام، وأكثر ما يمكن أن يقوم به هؤلاء هو الامتناع عن الأكل والشرب وأداء الصلوات المفروضة فقط، وأولئك للأسف خسروا أنفسهم في رمضان ولم ينتهزوا تلك الفرصة الذهبية التي وفرها لهم (رغم أنف امرئ أدرك رمضان ولم يغفر له). إن شهر رمضان لا يأتي في العام إلا مرة واحدة وهو الشهر الذي فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر وفيه الكثير والكثير من الخيرات، وإن حرصت القنوات الفضائية على التنافس فيما تقدمه من برامج ومسلسلات تلفزيونية منها ما هو إيجابي ومنها ما هو سلبي، فلنحرص نحن على أن ننتهز هذه الفرصة لنجعل لنا برنامجنا الخاص الذي ننهل من خلاله من خيرات رمضان، وليكون برنامجنا قائماً على الإنتاج والعمل وحسن الصيام والقيام وكثرة الذكر وقراءة القرآن وصلة الأرحام والإحسان للفقراء والمساكين والقرب منهم والتودد إليهم والإحسان إليهم، لنجعل برنامجنا برنامجاً يركز على كسب الحسنات وترك السيئات والتخلص من العادات السيئة التي كنا تعودناها، لنجعل من رمضان برنامجاً نشعر من خلاله بقربنا من الله ونطلب فيه عفو الله ونعلن فيه الصلح مع الله وكسب مغفرته، فنحن لا نعلم هل سيعود علينا رمضان مرة أخرى أم سيكون هذا الشهر آخر رمضان لنا. اللهم بلغنا رمضان. بريدة