كُثر هم المدربون الذين يديرون ويوجهون مشاهد المباريات السياسية المصرية منذ أن شهدنا بداياتها قبل عدة أشهر. هم مدربون محترفون من فرق محلية سياسية مصرية، منهم من كان معروفا ومشهورا، ومنهم من كان مجهولا ومغمورا. وقلة قليلة من وظفت المدربين وتدير الأحداث في مصر، أو في أي حراك سياسي اجتماعي مصيري. المنافسة في الساحة السياسية المصرية بلغت ذروتها مؤخراً ما إن دخلت جماعة الإخوان المسلمين ملعب الكرة السياسية المصرية ليصبح الدوري المصري السياسي أكثر حماساً وخطورة واتقادا.... لماذا؟ لأننا سنشهد ظهور ودخول المزيد من المدربين السياسيين وأشكال ومستويات أخرى من حركات ألعاب اللاعبين. إلى حد كبير تشبه لعبة السياسة هذه في مصر مجريات ومن ثم حيثيات اللعبة الكروية المصرية فهي مباريات سياسية مصرية مئة في المئة، على الطريقة السياسية المصرية، بالطبع تختلف تماما عن بقية مثيلاتها من لعب المشاهد السياسية العربية الثورية الحديثة أو حتى مشاهد الثورات للشعوب العالمية الأخرى التي سبقتها سواء في العصر الحديث أم العصر القديم. ينقسم الجمهور في اللعبة السياسية المصرية، كما هو الحال في أي لعبة كروية، إلى مشجع للفريق يهتف له ويدعو لفوزه ويتغنى بأمجاده، وإلى معارض للفريق أو حتى مناوئ له يذمه ويقرعه، بل وحتى يكيل له السباب والتهم. طبيعي إذن أن ترتفع أصوات وهمهمات وهتافات المشجعين المنادين بالشعارات والعبارات الجميلة، وإلى تلك المناقضة لها لغة، بل والمتناقضة معها في المعنى تماما. المعضلة لا تكمن في من يشجع ومن لا يشجع، من يؤيد وإلى من يعارض، إنما تتضح في وضع فئات وشرائح أخرى ضخمة جدا منهمكة في توفير قوت يومها، لا تكترث لهؤلاء ولا يهمها أمر أولئك، فضغوط المعاناة اليومية المعيشية وضنك الفقر والعوز يشل عقولها السياسية ولا يترك لها وقتا لمشاهدة أي شكل من أشكال المباريات السياسية أو حتى الكروية، ناهيكم عن المشاركة فيها. الصراع المرير إذن بين من يؤيد، ومن لا يؤيد هذا الفريق السياسي أو ذاك، فيما تبقى أعداد كبيرة من المشاهدين أو حتى غير المشاهدين لا تهتم أو تكترث لما يجرى على الساحة السياسية، هؤلاء هم ما يسمى بالأغلبية الصامتة. الصراع الذي نشهده في ساحات المظاهرات وأمام المحاكم المصرية هو بين فرق صغيرة جدا مقارنة بالشعب المصري الذي ترك أمره، كما هو عادة الشعوب، لتقرره الأقليات في الميادين والساحات. طبعا لا نعني هنا بالأقليات، الأقليات الدينية، أو العرقية، أو المذهبية، وإنما نعني بها الأقليات السياسية التي تنشط بشكل ملحوظ للتعبير أو للمطالبة بحقوقها. الأقليات السياسية هذه عادة ما تلقى الدعم المادي من أقليات نخبوية اقتصادية تمتلك الثروة هدفها الأول والأخير التأثير في مجريات الأحداث السياسية بما يتلاءم مع مصالحها الاقتصادية والاجتماعية ومن ثم السياسية مستقبلا. هنا تظهر أهمية المدرب الاقتصادي المخضرم المتمرس في شؤون إدارة الأحداث والأزمات بما يضمن اختيار المدرب الأفضل لتحقيق الفوز لفريقه. من خلال وسائل الإعلام المرئية التي دائما ما تسعى وراء الإثارة والتشويق والخبر العاجل الذي يلفت انتباه المشاهدين ويشدهم، تحرص النخبة الاقتصادية من خلال المدربين على نقل توجيهاتهم وتعليماتهم للاعبين وفقا لمجريات وتطورات الأحداث على ملعب الساحة السياسية. على سبيل المثال لا الحصر تحريك هؤلاء لاستثارة الشعب وتوجيه ضغوطه ومطالبه على الحكومة، أو لتحريك هؤلاء القلة للاعتصام في ميدان التحرير، أو لتلفيق التهم لإحراج وإقلاق الحكومة وقيادات الجيش المصري. من سينجح في إدارة الفريق؟ وأي من الفريقين سيفوز؟ ما هي سمات النظام السياسي القادم؟ هل سينجح المعارضون الأوائل من غير الإخوان المسلمين؟ أم سيسحب الأخوان البساط من تحت أقدامهم ويجيرون ما حدث من منجزات لصالحهم؟. أسئلة مصيرية مرت بها جميع الشعوب التي شهدت ثورات طبيعية أو ثورات مصطنعة. أسئلة مصيرية لا تملك الإجابة عليها الأغلبية الصامتة في أي مجتمع من المجتمعات المتقدمة أو المتخلفة. الأقليات وحدها هي التي تملك الإجابة على تلك التساؤلات.