إن كان من خلاصة يمكن أن ينتهي إليها المشاهد العربي من المحيط إلى الخليج، من مجريات المواجهة الرياضية بين مصر والجزائر، والتي تحولت إلى مواجهة في شوارع القاهرةوالجزائر أسفرت عن مصابين وخسائر مادية، فهي أن الإعلام العربي، المتهم بتأجيج جمهوري الفريقين، لا يعرف كيف يتعاطى مع الاستحقاقات المصيرية، إن كانت رياضية، أو غير رياضية. وعلى رغم أهمية المباراة بالنسبة إلى البلدين، لأنها حاسمة وتؤهل أحدهما إلى نهائيات مونديال 2010 التي ستقام في جنوب أفريقيا، وحق إعلام كل من البلدين، أن يؤيد فريق بلده ويشجعه، إلا أن الأكثر أهمية من الإعلام والمباراة والكرة عن بكرة أبيها، هو الحفاظ على سلامة الجمهور والناس وشعبي البلدين. ولا شك في أن المشاهد المحايد، لفته الدور السلبي الذي أداه الإعلام في كلا البلدين ما كاد يحوّل الصراع من كروي إلى سياسي، فكل كلمة ومعلومة كانت تبث عبر الشاشات كانت تؤجج الصراع وتنفخ في ناره، وبخاصة أن بعض ما قيل لم يخل من لعب على المشاعر الوطنية. وكانت النتيجة أن تحول الأمر إلى عنف في مصر ضدّ جزائريين، وعنف مماثل في الجزائر ضدّ مصريين. الخبر الذي بُث بعد وصول الفريق الجزائري إلى القاهرة، عن تعرض حافلة المنتخب إلى رشق بالحجارة، ما أدى إلى تحطم نوافذها وإصابة لاعبين على الأقل، فضلاً عن توجيه سباب وشتائم إلى اللاعبين الجزائريين من قبل مصريين متجمعين في طريق الحافلة. لكن مصر نفت ذلك، وقالت إن تكسير نوافذ الحافلة تم من داخلها، أي إن اللاعبين الجزائريين هم من قام بذلك. هذا الخبر كان كفيلاً بتجييش مشاعر جمهوري الفريقين، وكان على القائمين على الإعلام والمباراة أن يتخذوا قراراً حازماً يقضي بإقامة المباراة من دون جمهور، وحتى من دون إعلام. لكن المباراة أجريت، وكانت نتيجتها فوز مصر 2 – 0، تلاها اعتداء بالضرب على جزائريين في القاهرة، وعلى مصريين في الجزائر. وكان لافتاً أمس، أن وسائل الإعلام وبعثات التلفزيون والنقل المباشر انتقلت إلى الخرطوم حيث أجريت المباراة النهائية، لتبث مباشرة منذ الصباح الباكر صور الجماهير وأعلامهم، وكأنها بذلك تستدعي مزيداً من جمهور الفريقين إلى الملعب. من حق الإعلام أن يميل إلى القضايا الساخنة، ومن حقه أن يجعلها أكثر سخونة، لكن حين تصبح المسألة بهذه الخطورة، وتصبح كل كلمة، ولو من منطلق وطني، مشكلة تؤجج مشاعر الجماهير، فإن على الإعلام أن يكون أكثر مسؤولية، وأن يضع حداً لتلك الأمور، التي رأى فيها فقهاء «فتنة لا تصب إلا في مصلحة العدو الإسرائيلي». كان الأجدى بالإعلام أن يأخذ دروساً من تجارب سابقة، ولا تتسبب حروب كلامية بمشكلة كبيرة بين الشعبين المصري والجزائري، وكأن لا هم لديهما إلا الكرة، وأن الوصول إلى جنوب أفريقيا نهاية الدنيا.