كما في العالم العربي فإن زعماء الدول الغربية أيضاً مهتمون بكرة القدم، ليس فقط لأنهم يحبون اللعبة ويشجعون نجومها، ولكن أيضاً لأنهم يدركون أن شعوبهم تتعاطى كرة القدم أكثر من السياسة. وبالطبع فإن ركوب موجة الانتصارات الكروية والسعي إلى نيل «الشعبية» ورضا الشعوب على حساب فرق كرة القدم في العالم العربي، يجري أيضاً في العالم الغربي، ويقابله إبداء الرغبة في تجاوز الهزائم، وإبداء القلق البالغ على مستقبل هذا الفريق أو ذاك. يعيش العالم أجواء المونديال الكروي ليس بسبب الصراع الذي تسببه آلة «الفوفوزيلا» التي ينفخ فيها جمهور الكرة في ملاعب جنوب إفريقيا، وكانت وراء انزعاج اللاعبين والمدربين، ولكن أيضاً لأن شعوب العالم تنتظر الحدث كل أربع سنوات، كما أن حكومات الدول التي تشارك فرقها في المنافسة العالمية دفعت مبالغ طائلة على إعداد فرقها لخوض غمار المنافسات، إضافة إلى انشغال الناس في غالبية دول العالم بالحدث الرياضي الدولي الكبير ووضعه في مقدم سلم الأولويات، ما يدفع المسؤولين وحتى الزعماء إلى المشاركة في الحدث كل بطريقته، لذلك يمكن فهم انزعاج الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي واهتمامه بخروج فريقه من منافسات الدور الأول والمستوى الهزيل الذي ظهر عليه اللاعبون الفرنسيون وطلبه حرمان اللاعبين من أي مميزات مالية، وكذلك يمكن فهم تغيير مواعيد جلسات البرلمانات واجتماعات الحكومات وإعادة ترتيب اللقاءات المهمة في أكثر من دولة وفقاً لجدول مباريات البطولة. أين الملف النووي الإيراني الآن من اهتمامات شعوب العالم؟ وهل يتابع الناس في أرجاء المعمورة ما يجري في العراق أو فلسطين أو أي قطر عربي؟ هل تهتم غالبية الشعوب الآن بالأزمة المالية العالمية وآثارها؟ هل ما زالت هناك مساحات في العقول لملاحقة أخبار السياسة والسياسيين؟ يبحث الناس عن السعادة فيجدونها في كرة القدم لأنهم لم يجدوا من السياسة إلا التعاسة، ويفرح الناس لمشهد الكرة وهي تدخل المرمى وهم الذين يحزنهم مشاهد الحروب والصراعات والقتل والدمار هنا وهناك. سينتهي المونديال وسيفوز فريق من الفرق المشاركة، وسيشعر الناس أنهم صاروا محرومين من الفرحة التلقائية غير المفتعلة، وسيعودون مجدداً مضطرين لمشاهدة وسماع وقراءة ما لا يتمنون. يعتقد بعض المعارضين السياسيين في العالم العربي أن الحكومات تلجأ إلى افتعال أحداث لشد انتباه الناس أو إبعاد أذهانهم عن «بلاوي» كثيرة تحدث في مجتمعاتهم، وهو أسلوب اتبعته أجهزة الاستخبارات لفترات طويلة، لكن الواقع أن التطورات السياسية على مستوى العالم في العقدين الأخيرين أعفت الحكومات من بذل جهود في هذا الاتجاه، إذ إن الناس صاروا لا يبالون أصلاً بما يفعله السياسيون إلا فيما ندر، وبالقدر الذي يؤثر في أحوالهم المعيشية. أما عبارات من نوع تبادل وجهات النظر في المستجدات أو التأكيد على حُسن الجوار أو المستقبل المشترك وكل تلك «الفوفوزيلا السياسية» فلم يعد لها محل أو اهتمام إلا في وسائل الإعلام، في حين يبقى اهتمام الناس ب «الفوفوزيلا» الكروية أكبر.