أسعار المواد الاستهلاكية في ازدياد تلتهم كل دخول المستهلكين وتبخر أي زيادة تطرأ عليها، وحجة التاجر أن أسعار المواد الاستهلاكية المستوردة هي الأخرى في تزايد شرس، وأن سعر صرف الريال لا يساعده إلا في مستورداته من الولاياتالمتحدةالأمريكية، والدعم الحكومي للمواد الاستهلاكية مهما بلغ فإن أثره على أسعار السلع لا يكاد يلمس، وإن لمس فسرعان ما تعود السلع إلى الارتفاع. وراعي الأمة ومليكها لا يفتأ يحث التجار بالأوامر الملكية ومن خلال مجلس الوزراء وبصفة شخصية على مخافة الله ومراعاة جيوب المستهلكين وينهاهم عن الجشع والاكتفاء بالربح المعقول، ومع هذا فلا أذن سمعت. أي ضريبة هي مكس والمكس حرام، وتسعير الدولة للمواد الاستهلاكية منهي عنه، فالمسعر هو الله وفق رواة الحديث. معظم التجار يديرون أعمالهم من خلال شركات، والشركات مأمورة بموجب نظام الشركات ما عدا التضامنية بأن تعين محاسباً قانونياً، والمحاسب القانوني مطالب وفق قواعد عمله بالإفصاح تحت طائلة العقوبة، وهذه الشركات مطالبة بأن تقدم سنوياً إلى إدارة الشركات في وزارة التجارة والصناعة بياناتها المالية المتضمنة الأرباح والخسائر. ترى إذا لم يكن في وسع الدولة أن تسعر المواد الاستهلاكية أفلا يمكنها ومن خلال قواعد العدالة والإنصاف والحد من الجشع أن تضع سقفا للربح الصافي لكل شركة، إذا ما تجاوزته أي شركة فرضت عليها غرامة تتناسب وحجم تجاوز ربحها لسقف الأرباح المسموح به، وأن تجير تلك الغرامة لصندوق دعم المواد الاستهلاكية. لا أعلم حقيقة الرأي الشرعي في مثل هذا الاقتراح، لكني أعلم أن لولي الأمر سلطات واسعة في اتخاذ ما يراه لحماية الحقوق العامة والمصالح المرسلة للحد من الجشع وحماية جيوب المستهلكين. أدري أن هذا سيغضب التجار الجشعين، ولكنهم شريحة صغيرة من شعب يقدر بالملايين، وإذا لم تفلح معهم كل محاولات الثني عما هم فيه من جشع بالوعظ واستنهاض ما تبقى لديهم من قيم، فلابد من علاج موجع يمس أرباحهم الفاحشة المسلوبة من دخول إخوانهم من مواطنين وقاطنين. إن من قال (يوزع بالسلطان من لم يوزع بالقرآن) لابد أنه يقصد أمثال هؤلاء التجار الذين لابد من أن يوزعهم السلطان للحد من جشعهم الذي تجاوز كل الحدود. إن ظاهرة الجشع التي استشرت مع الأسف في أسواقنا واستغلت حاجة المستهلكين للغذاء، فاستنفدت دخولهم ومدخراتهم، والتي لم تنفع معها كل المواعظ، وطورت نفسها ضد كل الأمصال، تحتاج إلى رادع يقتلع جذورها ليعيد للأسواق توازنها، وللعلاقة بين البائع والشاري المبدأ الذي أرساه محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال: (خيركم سمحاً إذا باع سمحاً إذا اشترى) ونهى عن المغالاة في الأسعار. صحيح أن (البأس) مع هؤلاء بدون (رحمة) يعد بطشاً، لكنه صحيح أن (الرحمة) بلا (بأس) مع هؤلاء تعد تفريطاً.