بلوتان ابتلي بهما المواطن السعودي، منذ بداية الطفرة الأولى، ارتفاع الأسعار، والغش التجاري، الذي يعني مخالفة معايير الجودة، في الخامات والتصنيع، وتقليد الماركات العالمية جيدة الصنع بأخرى رديئة، وإيهام المستهلك بجودتها! ارتفاع الأسعار التدريجي الذي لا يفطن له المستهلك مهما بلغ به الحرص على اختيار المنتج الأقل سعرا لأن الزيادة لا تتجاوز الريال أو القروش لكنها زيادة ( حثيثة) بمعنى متواصلة بشكل تصاعدي منتظم ، ربما يكون سعر المنتج في المرة الأولى 21 ريالا، في المرة التالية لن تنتبه إلى صعوده إلى خانة 22 ريالا أو 21,75 هللة ، ثم لن تنتبه إذا واصل صعوده بعد شهر إلى 23 ريالا أو 22 + هلللات 50 أو 75 هللة وهكذا حتى تفاجأ بأن ماكنت تدفع فيه عشرين ريالا قد تجاوز سقف الأربعين أو الخمسين ريالا بعد عام أو أكثر. المشكلة أن هذا التصاعد لا يتوقف بل يتحول إلى صيرورة تسير على مثلث جدلي أزلي ( السعر السابق ... التالي ... اللاحق) وهكذا؛ ( اللاحق يصبح سابقا وسعر جديد يتلوه سعر أعلى يصبح هو سعر الشراء) هكذا، لا يستقر للأسعار قرار، في كل شئ مما يمثل ضرورات حياتية لا يستغني عنها المواطن، الحليب ، الأجبان، الألبان، المربى، المياه، اللحوم، الفراخ ، الأسماك، الرز ، السكر، الزيت، السمن، مساحيق النظافة، وأدواتها كل تلك ضروريات لا يستغني عنها الانسان مواطن او وافد ..غني أو فقير! كنا مرة في زيارة ميدانية للوقوف على الحالة الاقتصادية لبعض الأسر في جنوبجدة لتوفير متطلباتها الضرورية من تبرع فاعلة خير حرصت على أن يصل مالها إلى المستحق من مواد غذائية مما تحتاجه الأسر. هالني حجم الاهمال في نظافة المكان ، والفوضى والقاذورات، فتوجهت إلى السيدة التي استقبلتنا وحالها يصعب على الكافر أرجوها الاهتمام بالنظافة حرصا على سلامة أبنائها ولم أنتبه إلى حجم الخطأ الذي وقعت فيه إلا وصديقتي تسر لي قائلة: ( حتى أدوات النظافة تحتاج إلى مال ) أحسست بالأسى ، وأمنت على كلام صديقتي وهي تضيف قائلة : ( هذه المرأة أولوياتها تأمين الطعام .. والنظافة بالنسبة لها رفاهية لا تطلبها) أما عن الكماليات التي تحولت مع مقتضيات العصر إلى ضروريات فتلك قصة أخرى! بالنسبة لي ولصديقتي النظافة أولوية، لكن تلك المرأة ومثيلاتها ( لقمة العيش ) هي الأولوية ! وهكذا تختلف الأولويات لدى البشر، مثلا هناك نساء تحرصن على اقتناء أدوات الزينة ومكملاتها رغم دخولهن المتواضعة ، ولا يشعرن بالسعادة والراحة إلا إذا امتلكن ما تحتجنه من كماليات، حتى الرجال والشباب والأطفال، كل منهم لديه رغبات واحتياجات ربما ينظر إليها الآخرون بأنها كماليات بينما تمثل لهم ضرورة ملحة. كل هذا يمثل ضغطا متزايدا على دخل الأسرة، مهما جاهدت لتحسن دخلها، تجاهد الأسعار لتبتلع كل زيادة وكل دخل إضافي، تلك هي المشكلة التي لابد أن تجد لها وزارة التجارة حلا منصفا. الأسعار تمارس لؤما شيطانيا في المناسبات الدينية التي تحتاج إلى إستعدادات خاصة ، مثلا قبل رمضان ترتفع أسعار المواد الغذائية تحت سمع وبصر وزارة التجارة ، وكأنها تبارك للتجار هذا الجشع أو كانها وزارة للتجار ، ربما هي كذلك ، ولكن نظرنا من الضعف بحيث لا نستطيع القراءة الجيدة، فنظنها وزارة من مهامها مراقبة الأسعار والحد من جشع التجار عن طريق فرض العقوبات الرادعة للمغالين والمتلاعبين والجشعين والمستغلين حاجة المواطن إلى السلع الضرورية قبل رمضان وقبل الأعياد وقبل المدارس وفي الاجازات لرفع قيمة كل ما يحتاج إليه المواطن. جشع التجار والغش التجاري، هما ذراعا الكماشة التي تمسك بتلابيب المواطن، تطحنه، تسلمه إلى الفقر واليأس، ومنها إلى مسارب أشد خطرا ربما تكون نهاياتها ارتدادا شديد القوة ضد المجتمع بأكمله، في غياب الوعي الاستهلاكي الذي تدعم غيابه المؤسسات المختلفة لتحريض المواطن على الانفاق المتواصل دون رحمة! بعد أيام قليلة يهل علينا رمضان بنوره الوضاء وروحانية أيامه وبياض لياليه، وكرمه الفائض بالمغفرة ومع هذا يجمع التاجر ما يتصدق ويزكي به من جيوب الغلابا غلبا. ربما هناك بصيص من ضوء يبدو في نهاية نفق الجشع، حتى لو كان خيطا واهيا لكنه ضوء، وهو ما قامت به مجموعة مقاطعة لإحدى شركات الألبان مؤخرا، وهي مبادرة شعبية أرجو ان تتواصل وتتكرر طالما أن الجهة الرسمية لا تفعل ولا تنفعل بل تصمت دهرا ثم تنطق بعقوبات جزئية وضعيفة لا تسمن ولا تغني شيئا كما جاء قرار وزارة التجارة الأخير بتغريم عدد من الشركات والمؤسسات بغرامات مالية وإغلاق بعضها لمخالفتها لنظام مكافحة الغش التجاري وبلغت الغرامات المحكوم بها 90 ألف ريال. يبدو أن مسؤولي وزارة التجارة لا يجوبون الأسواق، ولا يعرفون شيئا عما يعرض فيها من البضائع المغشوشة والمقلدة ورديئة الصنع ، وهي تعرض في الواجهات وفي أسواق كاملة مرخصة من عدة جهات! هل تكفي غرامة 90 ألف ريال عقوبة الغش والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( من غشنا فليس منا)؟! وماذا عن بقية المدن والقرى التي تنشط فيها تجارة المواد المغشوشة؟! ذكرت لي سيدة فاضلة تتولى رعاية عدد من القرى تنمويا ، بأن عروسا أصيبت بالتهابات شديدة في الوجه نتيجة تعرضها إلى مواد تجميل مغشوشة لأنها لجأت إلى الصالون الوحيد في القرية الذي تديره وافدة وتستخدم فيه مواد تجميل مغشوشة وهي تملأ محلات الجملة والقطاعي. أندهش كثيرا من هؤلاء التجار الذين يستوردون ويتربحون من الاضرار بالناس ثم تجدهم يملأون المساجد في صلوات التراويح والتهجد في رمضان! بل أندهش من هذه الظاهرة التي ليست غريبة على مجتمع مسلم، لكنها غريبة على مجتمع يعاني من مختلف أشكال الفساد والغش والجشع ثم تمتلئ المساجد بالمصلين في شهر رمضان والشوارع بالمتصدقين والمتبرعين، وكأننا مجتمع ملائكي لا يعاني ولا يشتكي!! رمضان كريم وكل عام وأنتم بخير [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (27) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain