أندرس بريفيك سفّاح النرويج تقوم وتتمحور أيديولوجيته التي يدعو إليها، وألّفَ فيها مؤلفاً جاء في 1500 صفحة كما يقولون، إلى إحياء الحروب الصليبية، التي استلهمها من (التاريخ)، ودعا إلى التعامل مع مسلمي أوربا بذات المنطق، وتطهير القارة منهم، حفاظاً على هوية أوروبا المسيحية. في حين أنّ أيديولوجية ابن لادن، والقاعدة تسعى إلى شن حروب جهادية على الغرب المسيحي، وتخليص بلاد المسلمين من هيمنتهم كما يطرح؛ وهذه الرؤية، أو قل الفلسفة، استلهمها ابن لادن هو الآخر من (التاريخ). أي أنّ الرؤية المشتركة بين بريفيك وابن لادن هي إعادة إحياء الحروب الدينية (التاريخية) بين الأمم من جديد؛ هذا مُتكئ على (الحروب الصليبية، وذاك مُتكئ على (الجهاد). بريفيك ينتمي إلى التوجُّه اليميني المتطرّف في أوربا، والذي عادت إليه قوّته مؤخراً، واستعاد كثيراً من جاذبيته وشعبيته التي فقدها منذ هزيمة النازية لأسباب عدّة، منها تزايد أعداد المهاجرين، وبالذات المسلمين، إلى أوربا، وتعلميهم المتدنّي، وسلوكهم الفوضوي، وتخلّفهم الحضاري، ونزوعهم إلى الاعتماد على الإعانات الاجتماعية، ما خلق أرضية خصبة لليمين المتطرّف الكاره للأجانب في العديد من الدول الأوربية. كما زاد الأمر تفاقماً (التطرّف الإسلاموي)، والذي قاده منذ 11 سبتمبر، أسامة بن لادن والقاعدة. وإذا كان ابن لادن وتطرّفه، ودمويته، قد نبّهَت المسلمين إلى خطورة الإرهاب الإسلامي، فإنّ فعلة أندرس بريفيك الأخيرة قد وضعت (الإرهاب المسيحي) الذي يقف وراءه اليمين المتطرّف، في الموقف نفسه الذي وضع ابن لادن (الإسلام الجهادي) فيه. الناس بأغلبيتهم، وبطبعهم، وجُبلتهم، ضد الدماء والقتل والعنف والعمليات اللا إنسانية؛ لا فرق في ذلك بين مسلم ومسيحي، ولا بين غربي وشرقي، ولا بين عرق وعرق؛ خاصة وقد تلاقحت الثقافات والحضارات في العقود الأخيرة مع بعضها البعض، وأنتجت قيماً ومبادئ (عالمية) تشترك في الكثير، وتختلف في القليل؛ هذه هي القاعدة وما شذ عن ذلك فهو استثناء. وحسب ما جاء في كتاب للباحث الأمريكي ذي الأصل الهندي (فريد زكريا) بعنوان (مستقبل الحرية)، فإنّ استقصاء للرأي أجرته شبكة (سي إن إن) من تسعة بلدان إسلامية في فبراير 2002، أظهر أنّ 61% ممن شملهم الاستقصاء قالوا بأنهم لا يعتقدون بأنّ العرب كانوا مسؤولين عن هجمات 11 سبتمبر.. وبغضّ النظر عن ماهية الحقيقة، فإنّ هذا مؤشر كافٍ يؤكد أنّ الإرهاب الإسلامي (مرفوض) من أغلب المسلمين، إلاّ من قلّة متطرّفة توازي في تقديري من حيث النسبة من يُنادون بالإرهاب الدموي في الغرب من منطلقات مسيحية، مثل أندرس بريفيك والأحزاب اليمينية التي تمثله. يروي الزميل الأستاذ جمال خاشقجي في مقال له في جريدة الحياة، أنه سأل الشيخ المصري المتطرّف عمر عبدالرحمن في لقاء معه: (كيف يُجيز قتل جندي مصري مسلم أمره مرجعه بالوقوف أمام بنك لحمايته، فقال بكل برود وهو من يفترض أن يكون عالماً بشرع الله: «لأنه متضامن مع الحكومة الكافر»..). ولعل من المصادفات بالفعل أن يقوم هذا الإرهابي المسيحي هو الآخر بقتل أبناء جلدته، ودينه، لأنّ حكومته بالمنطق نفسه (حكومة كافرة)! وهذا ما يؤكد ما كنت أقوله وأردّده دائماً وأعيده الآن، أنّ القضية هنا وهناك، سواء عند يمين الغرب الدموي، أو متطرّفينا الدمويين، لا علاقة لها بالدين؛ وإنما هؤلاء وأولئك يوظّفون الدين لخدمة الأيديولوجيا السياسية؛ الأمر الذي يُسوّغ القول: (التطرُّف ملّة وحدة وإنْ اختلفت البواعث). إلى اللقاء.