لا يمكن قياس العلاقات الإنسانية حسب الطباع والأهواء والمصلحة الآنيّة، ثمة مشاعر خفية روحية لا يعلمها إلا الشخص المعني بها فقط، فهناك أشخاص ترتاح لهم من أول لقاء بينكما حيث تحس أنك كنت تعرف هذا الشخص من زمن بعيد وتكنّ له المودة، في المقابل هناك آخرون تنفر منهم الروح من أول لقاء حتى لو أظهر لك المودة تشعر بأنك مهيأ للخلاف معه بصوره سريعة وأنك ستتصارع معه حتما في يوم من الأيام. كنت في نقاش مع أحد الأصدقاء حول هذا الموضوع تحديداً وإلى أي مدى يمكن أن نضبط سلوكنا ومشاعرنا تجاه الآخر في بداية العلاقة، إنه زمن الحسابات والتردد والخوف الذي يحيط بأغلب الناس، واتفقنا على أن المسألة مرتبطة بالقلب قبل العقل استناداً إلى الحديث الشريف (إن القلوب ما بين إصبعين من أصابع الرحمن.. ما تعارف منها ائتلف.. وما تنافر منها اختلف) يقال إن أحاسيس ومشاعر الأم تجاه أبنائها هي المشاعر الوحيدة الصادقة فهذا القلب يقدم الحب والمودة من دون مقابل. يعني العطاء دون انتظار الأجر من الآخر، لكن قصة الاختلاف والائتلاف أعمق من ذلك بكثير وأغلب الظن أنها ترجع إلى إحساس القلب قبل العقل الذي يعطي انطباعاً أولياً سرعان ما يصل إلى العقل، الذي يكون مهيأ لتصديق إحساس القلب، وتتكون الفكرة ورأيي أن ذلك يعتمد بشكل كبير على الخبرة، فقد تفاجأ بوالدك مثلا يحذرك من التعامل مع فلان وهو لا يعرفه، لكنه بالخبرة استطاع أن يكوّن رؤية شامله بمجرد رؤيته للآخرين فقط، مسألة معقدة تعتمد على العقل والقلب في نفس الوقت، لكن هل أثرت المتغيرات التي شهدها المجتمع خلال السنوات الماضية على تفكير الإنسان بحيث أصبح الحكم على الأشياء يتغير بتغير الظروف؟ أغلب الظن أن ذلك قد حدث وبشكل كبير وباتت معرفة الآخرين تستوجب التعامل معهم قبل الحكم عليهم، لكن سؤالا أخيرا يطرح نفسه: هل يوجد داخل كل إنسان رقيب يقيس نسبة الخطر يحذر أو يشجع من بناء العلاقة مع شخص تلتقيه لأول مرةّّ!؟ - الحرس الوطني