قبل نحو شهرين تناولت طعام العشاء ومجموعة من الأصدقاء في دار فضيلة الشيخ أحمد الكبيسي في دبي، حيث أصر على حضورنا في تلك الليلة، وعند وصولنا كان فضيلته منتظراً عند الباب مرحباً بنا. طبعاً الحديث مع الشيخ الكبيسي لا يُمَل، فهو صاحب علم وفكاهة، فالرجل على الرغم من كِبَر سنه وقدر علمه خفيف نفس، كان هو من يصر على صب القهوة والشاي لنا في مجلسه، على الرغم من أن أكبرنا سناَ لا يبلغ نصف عمر الشيخ، ومع ذلك لم نستطع ثنيه وهو يتحفنا بالعبارات العراقية الصرفة: شلونكم عيني، ويرحب بنا يابه يا هلا وسهلا بيكم، وعندما تطرح رأياً مخالفاً لما يعتقد يقول لك: يايابه ماكو إشكالية.. ويبدأ في طرح رأيه هو، فمجلسه لا يدل على انك في حضرة شيخ وطالب علم ببساطته ورحابته فلا كتب ولا مراجع, والحديث يتناول مناقشة مناحي الحياة العامة بكل همومها في الخليج والوطن العربي. وعند دخولنا للسفرة كانت أول عبارة قالها لنا: هاي عيني سفره عراقية 100 في المائة لن تجدوها إلا عندي هنا، فمتى ما رغبتم فأهلاً ومرحبا بكم مجدداً. طبعاً كثيرون مثلي يختلفون مع الشيخ في بعض أفكاره وفتاواه وما يطرحه من آراء تخص بعض القضايا الدينية المعاصرة، لكن يتفقون على أنه يجيد فن الاختلاف باحتراف وهدوء. فالشيخ يبيح سماع أغاني أم كلثوم وكاظم الساهر ومحمد عبده وغيرها من الأغاني المحترمة من أصحاب الفن الأصيل كما يقول، ومع ذلك لم نكن نسمع أي صوت لغناء أو موسيقى في منزله، أيضاً الشيخ صاحب طرح جريء وحساس عن متعة الزوجين ببعضهما وغير ذلك من الموضوعات الساخنة التي تخلق له الكثير من المنتقدين والمخالفين وأنا على رأس القائمة. ما يهمني هنا هو ذكاء فضيلة الشيخ في الانفتاح على الجيل الجديد في مجلسه ومخالطته مختلف شرائح المجتمع من الإعلاميين وغيرهم، فهو قد يتفق معهم في أمر ويختلف معهم في أمور، ومع ذلك لم يتصادم معهم عبر الصحف والشاشات ولم يتهم أحداً بالعمالة والخيانة، بل يتحاور ويفنِّد الأخطاء ويؤكد ما هو صواب برأيه ويسمع ما هو صواب برأي غيره. وهنا فن الاختلاف كما أظن !!. أعتقد أن بعض مشايخنا - حفظهم الله ونفع بعلمهم - لا يجيدون هذا النوع من الاختلاف وهو فن احتضان المختلفين معهم في الفكر والرأي !! فتجد أن هناك من يهاجم ويصنف ويعمم ولا يحاور أو يجادل بالتي هي أحسن !! فنحن (يا أبيض يا أسود، ما فيش عندنا رمادي أبدا)، على الرغم من أن اللون الرمادي حلو وزي الفل وقد يكون أرضية صالحة لتحويله إلى لون أبيض متى ما أجاد الطرفان فن الاختلاف بدلاً من أن يتحول إلى لون أسود!! فبعض المشايخ وطلبة العلم - وفقهم الله - يصفون الإعلاميين والكتاب اليوم بأوصاف وأحكام قد تكون عامة ومجحفة، واضعين سياجاً بينهم وبين من يختلفون معهم ويقولون نحن لا نُعطى فرصة للرد عبر الصحف أو الشاشات كغيرنا !! بينما هم في الحقيقة يمتلكون ما هو أثمن من ذلك، عصا موسى بأيديهم، لكسب من يديرون هذه الصحف والشاشات بكبرهم عبر لقاء وحوار مباشر وجهاً لوجه دون أضواء أو إعلام مثل لقاء الشيخ الكبيسي السابق بأريحيته وبعيداً عن التشدد والتزمت يتم خلاله مناقشة من يلزم من الإعلاميين حول مختلف القضايا، فأنا متأكد انه لن يرفض أي إعلامي صادق ومنصف دعوة شيخ فاضل أو طالب علم لجلسة أخوية لمناقشة طرح معين أو عرض أفكار نافعة ومفيدة كنقد لتغيير مفاهيم وصورة خاطئة لدى الطرفين !! وهنا أدعو أصحاب الفضيلة ممن أطلقوا سهامهم واتهاماتهم وتصريحاتهم النارية على الإعلاميين مؤخراً لتجربة أسلوب آخر قد يكون أجدى لرأب الصدع وتجاوز اختلافات الإثارة المفتعلة.. وعلى دروب الخير نلتقي.