ليس أشد من حاجة الإنسان لما يسيّر حياته من صحة في البدن ويسر في الرزق وراحة في البال فأي طعم لحياة خلت من هذه المقومات الأساسية وقد يتوفر أحدها ويغيب آخر.. وقديما قال الأجداد (ما مع الفقر مرجلة)، ولكن الإنسان المؤمن الذي يدرك أن ما يصيبه ليس إلا بقدر من الله ربما كان ابتلاء لصبره وقبوله بما كُتب له.. وقد بشر الله الصابرين وأثنى عليهم في أكثر من آية؛ فهل التذمر ضعف الإرادة وهشاشة في الصبر أم أن الأنفس البشرية تختلف قوة تحملها من أحد إلى أحد؟.. ولأن الشعراء تفوح روائح شواء مشاعرهم من خلال أبياتهم على جمر الحاجة ولهيب الألم نقف معهم في هذه النماذج من بوحهم وحكمتهم وفلسفتهم لكل ما يدور حولهم يقول شاعر: كأن مقلاً حين يغدو لحاجة إلى كل من يلقي من الناس مذنب وكان بنو عمي يقولون مرحباً فلما رأوني معدماً مات مرحب! وهنا شاعر آخر يظن أن بإمكانه الإفلات من قبضة الفقر بإرادته حين قال: ذريني للغنى أسعى فإني رأيت الناس شرهم الفقير وأبعدهم وأهونهم عليهم وإن أمسى له حسب وخير فيقصيه الندي وتزدريه حليلته وينهره الصغير وتُلفي ذا الغنى وله جلال يكاد فؤاد صاحبه يطير أما الشاعر عبدالله البردوني فقد ساوى بين الغني والفقير في المعاناة أو ظن متفائلاً بعكس نظرة زملائه الشعراء: أعزّي الفقير وأرثي الغنيّ على عجزه وأهنّي القدير أعزّي الجميع وأهوى الجميع ومحتقر الناس أدنى حقير يضيق الفقير ويشقى الغنيّ فلا ذاك بدع ولا ذا نكير فذا يشتهي لم يجد بلغة وهذا يعاف الغذاء الوفير و يخفي وراء الطلاء الأنيق صدوع الحنايا و خزي الضمير فومض السعادة من حوله كومض الأشعّة حول الضرير فكم مترف مبتلى بالألوف و كم كادح هانيء باليسير أما عبدالرحمن الشمري فيرى أن الأغنياء يتلذذون بمنظر الفقير وفتك الفقر به الفقر.. لذة في عيون الهوامير شوفو شلون بفقرنا شاركونا حسرة قليل المال بكفوفهم غير ولوهو ذهب يمدي خذوه وخذونا ولأن الأمنيات وأحلام اليقظة حق لا ينافس الفقير والمعوز عليه أحد قال سليمان الهويدي: لا واهني الي رصيده ملايين وامضاه في راس القلم يقبلونه وبواخره تمشي بكل البلادين ومصادره من كل شكلٍ نمونه اشوى من الي ياخذ الدين بالدين وطّلابته راس الشهر يبلشونه إلى أن قال مبيناً صعوبة حال من يشاطره الفقر يومه وليله: ومع الفقر عنده بزور ونساوين يبون حاجتهم ولا يعذرونه يقضي معاشه ما مضى الشهر يومين الفقر شيبّه وشيب عيونه عايش ولكن عيشة الفقر مسكين كنّه مصخن وهو مابه صخونه يا الله يا قابل صلاة المصلين انك تقوم بعوننا ثم عونه اما عبدالله بن دويرج فله مع الفقر قصص مؤثرة وحكايات لا تُنسى منها قوله: مضى العمر انا والفقر يا شعيل حطّ وشيل انا اقواه يومٍ وباق الايام يقواني ادير الروابع لين يقبل سمار الليل إلى رحت مع سوق ٍ ابغديه لاقاني قلبني وله مع ساقتي مثل رجد الخيل على وصلتي للباب ولاّه يتناني تنابزت انا واياه ثمٍ نخيت شعيل بكا الورع ماله حيلةٍ منه ياقاني وذي حالة الدنيا متى ما اجنفت بالميل لقيت الحصيني يفرس الذيب سرحاني أما سليمان المانع فلم يطل ليله ولكنه لم ينم بسبب هذه السلة من الأوجاع والعذابات التي تلف ليله وتزيده ظلاما حين قال: وحيد بالليل تلبسني عذاباتي أبحث عن إنسان في الظلما يحاكيني الجرح والحزن والدمعة محطاتي والخوف والفقر و لغربة عناويني يبعد رجايا وتقصر غصب خطواتي وأموت من ليل يجرحني يبكيني وأجمل ما نختتم به قول عبدالغني النابلسي: كن غنيا في صورة الفقراء لا فقيرا في صورة الأغنياء ومرادي بالفقر ما كان فقرا دنيويا للأخذ والإعطاء لا مرادي بالفقر لله ربي ذاك فقر ما إن له من عناء ذاك عز بدون ذل وعلم فاصطبر إنه لخير بلاء وتمسك بربك الحق واقنع بالتجلي في سائر الأشياء