على عكس ما يؤكده رجال السياسة المؤقتون في الحكومة المؤقتة التونسية، لم يشهد الوضع الأمني تحسناً كبيراً باعتبار أن الأحداث المسجلة هنا وهناك لم تعد حكراً على العاصمة تونس، بل اتخذت من المدن الكبيرة والصغيرة وحتى القرى داخل البلاد مسرحاً لها.. وهي حركة تقيم الدليل على حالة الاحتقان الموجودة داخل المجتمع التونسي أمام النسق البطيء للإصلاحات السياسية والاقتصادية والإعلامية والأمنية بالخصوص. فقد شهدت المدن الداخلية التي يكاد يتجاوز فيها عدد العاطلين حجم المواطنين النشطين، أحداث عنف وشغب أدت إلى مقتل بعض الأشخاص أمام ما يسميه الشارع التونسي تباطؤ تدخل الأمن لفض النزاعات. ففي سيدي بوزيد الجنوبية منبع الشرارة الأولى للثورة التونسية اضطر الجيش للتدخل لوضع حد لأعمال عنف نشبت بين المتساكنين أدت إلى تخريب عدة منشآت عامة وخاصة فيما تعمد مواطنون في بلدة حيدرة المجاورة حرق مركز للأمن.. وتأتي هذه الأحداث وغيرها من الاعتصامات وقطع الطرقات وتعطيل المصالح العمومية، على خلفية مقتل سجينين بسجن بالجنوب التونسي حرقاً بعد أن أشعلا النار في الحشايا في محاولة للهروب وفق رواية الداخلية التونسية فيما يشكك أهالي الجنوب في هذا الطرح مطالبين بفتح تحقيق للكشف عن الحقيقة.. والحقيقة أن الأخبار تتداول ولا أحد بإمكانه الجزم بأن روايته هي الأصح فقد غابت الحقيقة وحلت محلها الإشاعات والأحاديث المتداولة والتي تؤكد أن الشارع التونسي يشعر بالرعب من بعض التصرفات المريبة لعناصر من حزب التحرير السلفي غير المرخص له وتتعلق أساساً بالتعدي على الحريات الشخصية, وهي تحركات ينظر اعتبار أنها تجاوزات لا يمكن السكوت عنها في بلد خاض ثورة من أجل الحرية والكرامة والعدالة. في المقابل يصر أعضاء حزب التحرير السلفي المتهم بالتحريض على العنف والتخريب والإرهاب على ضرورة العودة إلى أحكام الشريعة الإسلامية وتعديل مجلة الأحوال الشخصية بما يسمح بإدخال إصلاحات تتماشى ومبادئ الدين الإسلامي. وفي رد صريح انتظمت مساء الخميس مسيرة حاشدة بالعاصمة تونس نددت بمحاولات المس من الحريات الشخصية ودعت إلى نبذ العنف والتصدي للإرهاب في مختلف أشكاله. وكانت أخبار راجت منذ أسبوع عن تعمد عناصر من السلفيين الاعتداء على قاعة سينما وتهشيم مدخلها وترويع روادها على خلفية عرضها فيلماً يحكي قصة امرأة ملحدة.. وهو فيلم أثار الكثير من الجدل وانقسم الشارع التونسي بسببه إلى شقين شق ينادي بحرية الإبداع وشق يطالب بإيقاف عرض الفيلم ومحاسبة مخرجته التونسية فيما يشدد السلفيون على وجوب احترام الدين الإسلامي باعتبار أن تونس بلد مسلم عربي لا مجال فيه للمس من المعتقدات والتعرض للمقدسات. وبعيداً عن ضوضاء العلمانيين والسلفيين، تأتي الأرقام المفزعة التي تؤكد تراجع القطاع السياحي في تونس بسبب تداعيات الثورة التونسية وتأرجح عودة الأمن والاستقرار إلى البلاد مما أثر سلباً على الوجهة التونسية وجعل العائدات تتراجع بنسبة النصف مقارنة بموسم السنة الماضية الذي يُعتبر قياسياً بدخول 7 ملايين سائح إلى تونس. اليوم يتردد سؤال واحد على جميع الشفاه حتى المتفائلة نفوسهم: إلى أين نسير؟