في كل مرة كان يتحدث عن «فنون الأتيكيت» وكيف يجب أن نطوّر من تعاملنا مع «الشوكة والملعقة « والتي يسميها البعض «الخاشوقة» بطريقة راقية!! بدأت أتعلّم على يديه شيئاً من هذا الفن، فهو يخصني «بدروس مجانية» مقابل شوية تلميع إعلامي له بتواجده كخبير أتيكيت في بعض البرامج.. «جلسة أتيكيتيه» مقابل توصية إعلامية يعني (شدّ لي واقطع لك!!) ومازالت كلماته ترن في رأسي وهو يقول «بتحط الطبق هيك.. وبتمشي رافع راسك لفوق.. بتنظر للطعام من الأعلى وبتضع كميات قليلة جداً منه وكأنك بترسم لوحة داخل الطبق.. بيهمني تناسق ألوان الطعام «!! هناك تناغم بين كل الأدوات من حولك «بدك تحافظ لي عليه». وكان الدرس الأول «مش لازم تشبع هون في البوفيه... فيك ترجع تاكل هونيك بالبيت إذا بدك»!! هون برستيج فقط، الأكل مش للشبع!! طبعاً أنا على نيّاتي «مجتهد ومتحمّس مصدّق الشغلة»، قلت يا ولد أثارينا ضايعين طول هالسنين!! لدرجة أني فكرت في يوم ما أن أضع وردة حمراء في جيب ثوبي كدلالة على تمسّكي بهذا الأسلوب الراقي، وشعر المحيطون بي إسرافاً غير معهود «صرت أترك قرشين على الطاولة للنادل « بينما في السابق كنت من هواة التدقيق في الفواتير حتى لو كان مصدرها فندق 5 نجوم!! طبعاً من زود الحرص على عملية التأكتت اللي ما له لازمة في كل اجتماع أو مؤتمر أو زواج تلقاني هلكان من الجوع.. ما آكل بس أرسم تناغم ألوان في طبقي وأوزع ابتسامات على الرايح والجاي!! هذه وصية الخبير الذي يقول إن أسوأ شيء ممكن أن تراه في البوفيه المفتوح هو كمية الطعام الزائدة عن الحاجة في الطبق الذي تحمله!! أو الأكل بطريقة «نهمة» وبشراهة «هيدا» خارج مفهوم إدارة الحواس الخمس.. سيدي بدك تتبسم فقط لكل اللي حولك.. «هيك « بنعكس شخصيتنا!! والحمد لله الذي أعادني لصوابي، ففي مناسبة زواج وأنا أقف أمام البوفيه «ورأسي لفوق» وإذ بي اسمع» قهقهة «رفيقنا الخبير!! أفا وين التبسُّم اللي يقول؟! وبعد تمحيص النظر لقيت الرجال «متربع» برجل وحده والأخرى مادها جلوساً على «مفطح «ويضرب بخمسه.. رز.. ولحم, وأنا ذابحني الجوع على سلطات وتلوين أطباق!! اندهشت وتسمّرت مكاني أمامه... قال «هون غير هونيك», «هيدي» جلسة أريحية...» أُقلط.. هون حدي «..!! حمدت الله بأنّ كل مناسباتنا أريحية ومن بعدها طلقت الأتيكيت طلاقاً بائناً بلا رجعة... ولم أعد أرى صاحبنا على الشاشة!! وصرت شعبياً آخذ الفكة من النادل قبل أعطيه الحساب!! وعلى دروب الخير نلتقي.