كل مجتمعات العالم تزخر بما هو سلبي وإيجابي مما يواجهه أفرادها من الجنسين الرجال والنساء، وكذلك الأطفال. ما أود الحديث عنه في مقالي هذا، ومن باب تسخير القلم لي ككاتب في جريدة الجزيرة لعرض كل ما يخص المجتمع السعودي، أحببت أن أعرج إلى موضوع قد يكون من أهم المواضيع التي انتشرت في مجتمعنا -للأسف- بشكل يدعو للوقوف والتأمل من قبل الجميع بلا استثناء. إنه موضوع العضل الذي تفشى في المجتمع وأصبح ظاهرة اجتماعية مقلقة لا يمكن السكوت عنها، بل لابد من تكاتف الجميع من أجل إيجاد الحلول المناسبة. العضل.. لغة: المنع. أما شرعا؛ فهو منع المرأة من الزواج بكفئها إذا طلبت ذلك ورغب كل واحد منهما في صاحبه. وقد وردت أدلة كثيرة تخاطب ولي أمر المرأة وتحذره من هذا الأمر منها قوله تعالى في سورة البقرة {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (232) سورة البقرة. إن هذا الفعل من الآباء حرام، وظُلم لمولياتهم، واعتداء عليهن بهذا الحبس، والتأخير عن الزواج، وقد ورد في الحديث قوله -صلى الله علية وسلم-: إذا أتاكم من ترضون دينه، وأمانته فزوجوه؛ إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض، وفساد عريض. فإن رد الزوج الذي هو كفء كريم، ومنع البنت التي بلغت مبلغ النساء يكون ظلمًا للرجل، والمرأة، ويترتب عليه مفاسد كثيرة: منها تعطل الفتيات، وبقاؤهن إلى سن العنوسة، واليأس من الزواج، وحرمانهن من الأولاد، وكذلك تعريضهن لفعل المُحرمات، وانتشار الفواحش، ونحو ذلك من المفاسد التي سببها، أو من أسبابها هذا النوع من الظُلم للفتيات. كشف رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان الدكتور مفلح القحطاني، أن الجمعية تلقت نحو 50 شكوى من سعوديات رفض أولياء أمورهن تزويجهن. خلال الأشهر الخمسة الماضية فقط. ووفقا لتقرير أعده الزميل سعود الطياوي ونشرته «الحياة»، قال القحطاني «وصل الجمعية أكثر من 50 شكوى من سعوديات خلال الأشهر القليلة الماضية، يتهمن فيها أولياء أمورهن بعضلهن»، مشيراً إلى أن الأسباب عدة، يقف في أولها: طمع ولي الأمر في راتب ابنته، أو التحجير عليها من أحد الأقارب. يشار إلى أن الجمعية حققت نتائج إيجابية مع بعض أولياء أمور الفتيات، في حل مشكلات تلك الفتيات مع أولياء أمورهن فيما تجري متابعة حالات أخرى بالتعاون مع الجهات المعنية؛ كالقضاء وغيره لنزع الولاية من ولي الأمر إذا فشلت عملية الإقناع للولي بتزويج ابنته بالصلح وإقناع ولي الأمر بتزويج الفتاة، وفي حال رفض ولي الأمر. إن مسألة تحديد سن لعضل الفتيات أمر غير وارد في الوقت الحالي إلا أنه يجب اعتماده في المحاكم من سن الخامسة عشرة إلى سن الثلاثين إذا ثبت عضل الولي للفتاة، سؤالي هنا.. هل يا ترى جمعية حقوق الإنسان سوف تقدم الحل المناسب والملائم لهذه المشكلة؟ لا أعتقد؛ لأسباب منها: أننا مجتمع يغلب عليه الحياء بنسبة كبيرة بين الجنسين؛ فلو فرضنا جدلا أن فتاة لجأت لحقوق الإنسان أو القضاء لتزويجها سيكون لذلك الشيء تأثير سلبي في حياتها الزوجية المستقبلية: هل للبنت الحق في مجتمعنا المحافظ أن تشكو والدها على عضله لها ؟ وإذا ضاقت بها السبل أين تتجه؟ ومن الذي سيكفل هذا الحق؟ هل هم الأقارب؟ أم الجهات الشرعية؟ وهل سيكون لمن تزوجت بهذه الطريقة عوائق مستقبلية ونظرية. احتقار لها من المجتمع باعتبار أنها تمردت على والدها أو وليها واتهمته بالعضل ؟ من سيحمي الزوجة مستقبلا في حال وقوع خلافات بينها وبين زوجها في حياتها الجديدة؟ وهل سيستغل وضعها لاسيما وهو يدرك تردي العلاقة بينها وبين وليها؟ ماهي نظرة المتقدم للزواج للبنت التي شكت والدها في عضله لها. بل إن إحدى النساء والتي تعمل أستاذا جامعيا في جدة لجأت إلى الموقع الاجتماعي الفيس بوك من أجل إنشاء صفحة عنونتها ب (كفى عضلا)... الجديد في موضوع عضل البنات عن الزواج. تقديم شكاوى العضل ل»فيس بوك» بدلا من ساحات المحاكم. حيث أقدمت أستاذة معضولة إلى تدشين حملة على موقع «فيس بوك» تحت عنوان (كفى عضلا) حيث ذكرت أنه بدلاً من تقديم شكواها إلى القضاء خوفاً من نتائج الأحكام القضائية التي قد لا تأتي في صفها أو تتهمها بالعقوق، كما حدث في قضية الطبيبة المعضولة. علما أنها كما ذكرت كانت تعتزم اللجوء إلى القضاء إلا أن ما آل إليه أمر الطبيبة المعضولة التي تناولتها وسائل الإعلام ألجمها وتراجعت عن فكرة اللجوء إلى القضاء، ولذلك قررت اللجوء إلى الإعلام تستهدف الرأي العام السعودي الذي يقف صامتاً أمام قضاياً عضل الفتيات عن الزواج.؟ لا يخفى على أحد أن من حقوق المرأة التي كفلها لها الإسلام حقها في الزواج وتكوين أسرة وبيت. مسلم يسير على شرع الله، من وجهة نظري الشخصية أن للعضل أسبابا عدة يمكن إجمالها في النقاط التالية؛ أولها التعصب للقبلية أو العشيرة أو العائلة، ورغبة الولي بتزويج ابنته من أحد أبناء قبيلته أو عشيرته أو عائلته، كذلك طمع الولي ورغبته بالحصول على مهر مغالى فيه يفوق قدرة الخاطب. أضف إلى ذلك رغبة الولي الاستفادة من راتب ابنته إذا كانت تعمل بالاضافة إلى رغبة كثير من الأولياء الاستفادة من ابنته في القيام بخدمته وإدارة شئون البيت، خاصة إذا كانت الأم مريضة أو متوفاة. قد يكون تعنتا وعنادا ومكابرة من الولي، خاصة بالنسبة للمطلقة، وما مرت به من ظروف ومشكلات أثناء الطلاق مع طليقها انعكست على الحالة النفسية عند الولي جعلته يتعنت في تزويجها مرة أخرى. بحث الولي عن شاب يتمتع بمواصفات معينة من مال وجاه ونسب قد لا تتوافر في الكثيرين من الذين يتقدمون لخطبة ابنته. ما يجب إيصاله إلى أولياء الأمور هو أن مجلس هيئة كبار العلماء أصدر فتوى بأن التحجير وإجبار المرأة على الزواج بمن لا ترضاه ومنعها من الزواج بمن ترغب به ممن استوفى الشروط المعتبرة شرعا أمر لا يجوز، بل اعتبره من أكبر أنواع الظلم والجور. ومهما تعددت الأسباب والصور النتيجة واحدة ولها آثار سلبية على الفتاة وعلاقتها بوالدها، وعلى المجتمع، وهناك عدة تساؤلات لابد من الإجابة عليها حتى يتضح جانب كبير من الموضوع، وهي: هل يعقل أن (الأب) والذي يفترض أن يكون أقرب وأحن الناس بها يتسبب في حرمانها من سعادة وحق شرعي أقرها الله لها؟ وماهي مبررات الآباء وأولياء الأمور؟ هل هو ضعف في الوازع الديني؟ أو جهل في أولياء الأمور؟ ونحن والحمد لله في مجتمع مسلم متعلم يخاف الله. على الجانب الآخر (الخطير والحساس) من الموضوع هو: أليس هناك من البنات من تدعي عضل وليها لها وهي كاذبة ولا تدرك مصلحة نفسها ووليها لم يرَ المتقدم المناسب لها؟ في ظل زيادة عدد الفتيات مقارنة بالشباب، يمكن القول: إن ولي الأمر حالفه الحظ في تزويج ابنته عند تزويجها. ففي ظل البطالة التي تعاني منها جميع المجتمعات بمختلف أطيافها ودياناتها وعاداتها وتقاليدها كثير من أولياء الأمور يخاف على ابنته من الفقر ويبحث لها عن زوج؛ لا أقول ميسور الحال، بل يتصف بالغنى الفاحش للأسف، وأنا هنا أقصد من يعضل ابنته عن الزواج لذلك السبب. وجهة نظري أن تزويج الفتاة لمن يخاف الله ولو كان فقيرا لأن الفقر ليس عيبا، بل يجب أن يدرك أن الأرزاق مقسمة بين البشر، ولو كان الغنى دليل ذكاء وفطنة وحنكة لما وجدت البهيمة من الحيوانات ما تأكله لأن لا عقل لديها، ولكن الرزق بيد الله عز وجل. ذكر (بضم الذال وكسر الكاف) أن هنالك مساعي من قبل هيئة حقوق الإنسان لإدراج عضْل المرأة عن الزواج ضمن جرائم الاتجار بالأشخاص والتي تصل عقوباتها إلى السجن خمسة عشر عاماً، حيث ذكر رئيس هيئة حقوق الإنسان الدكتور بندر بن محمد العيبان أن حرمان المرأة من هذا الحق الذي كفله لها الشرع يدخل في عداد جرائم الاتجار بالبشر؛ موضحا أن الهيئة تعد خطة لمعالجة هذه المشكلة الإنسانية بالتوعية والتثقيف، وتعمل على دراسة هذه الجريمة من جميع جوانبها الشرعية والاجتماعية. فيما يخص هذا الموضوع أوضح د.عبد العزيز الفوزان، عضو مجلس هيئة حقوق الإنسان، أن اشتراط الولي جُعِل من أجل مصلحة المرأة وحفظ حقوقها وليس إهانة لها ولا تنقيصاً من قدرها، ومن شروط صحة النكاح الرضا بين الزوجين، وهناك البعض ما يزال يتمسك بالعادات الجاهلية في إرغام المرأة على تزويجها بمن لا تريد. ان من أعجب القضايا التي قرأت عنها بخصوص هذا الموضوع هي أن أربع فتيات شقيقات بلغن سن الأربعين ولم يتزوجن، ووالدهن يحسن التعامل معهن رقيق المعاملة، ولكن علل عدم تزويجهن أنه لا يتخيل أن تكون بناته فراشا لرجال يستمتعون بهن وهذه غيرة مذمومة لا تصح على الإطلاق. خبراء سعوديون متخصصون في قضايا الأسرة وكذلك خبراء حقوقيون يحذرون من تنامي ظاهرة عضل أولياء الأمور لبناتهم، وطالبوا الجهات المختصة بمحاولة إيجاد حلول سريعة لهذه المشكلة قبل أن تتفاقم أكثر، وأكدوا أن الأمر لم يعد مجرد حالات فردية بعد وصول العشرات منها إلى أروقة القضاء، وأنه قد ينعكس بشكل سلبي على المجتمع بعد أن يدفع كثيراً من الفتيات المعضولات إلى الانحراف؛ مما يؤكد ذلك هو العدد الذي احتوته أروقة القضاء على الرغم من عدم وجود إحصاءات دقيقة حول هذا الأمر شأنه شأن الكثير من القضايا الاجتماعية السعودية، إلا أن تقارير إعلامية تؤكد أن الأمر في ازدياد، حيث أكدت مصادر قضائية أنه تم الفصل في 213 قضية عضل في عام 2007 فقط، وتضاعف الرقم إلى أكثر من 480 قضية في العام الماضي كما ذكرت. في بعض القضايا قد لا نفرق بين العضل والخلاف الأسري أي عندما لا يكون الحكم في صالح الفتاة على الرغم من وضوح الدعوى. فقد يكون هناك تباين في آراء القضاة، وقد يكون للقاضي وجهة نظر معينة، ولكن هناك درجات للتقاضي، فإذا لم تنصف المحكمة الابتدائية الفتاة فقد تحصل على حقها في محكمة الاستئناف أو المحكمة العليا، وفي الغالب تحصل على حقها لأن هناك حالات تختلف على أرض الواقع، وقد يرى القاضي أن اتهام الفتاة لوليها بالعضل ليس قانونياً لرفضها بعض الخاطبين ورغبتها في آخر غير مناسب لعائلتها، وهذا يعد خلافاً أسرياً وليس عضلا. بعد أن بدأ الإعلام في التحدث حول هذا الأمر وتسليط الضوء عليه من عدة زوايا أعتقد أننا في الاتجاه الصحيح، ويفترض على كل منابر الطرح الهادئ أن ترفع صوتها لرفع ثقافة الآباء وأيضاً الفتيات لكي لا يستسلمن لهذه المأساة خوفاً من رفع صوتها.. فالفتاة التي ترفع صوتها وتعبر عن نفسها هي الإيجابية والمحقة ويفترض أن الجميع يقف بصفها، ويسأل عن سبب ظلمها ومنعها من حقها الشرعي بالزواج. إعلامي ومحاضر لغة إنجليزية - الكلية التقنية بالرياض