إن أتمَّت الولاياتالمتحدةالأمريكية سحب قواتها من العراق في نهاية عام 2011 أو لم تسحبها.. إن أبقت قوات كبيرة تحت مسميات مدربين وخبراء ومستشارين ولتأمين حراسة السفارة والقنصليات الأمريكية.. وحتى إن غاب الوجود العسكري الأمريكي عن العراق، فإن المسؤولية الأدبية والتاريخية والسياسية لن تغيب عن ذاكرة المواطن العراقي، والإنسان المثقف المتابع في أي مكان من العالم. أمريكا باتخاذها قرار تغيير النظام العراقي السابق بالغزو والحرب المباشرة وبنية معلنة بإعادة العراق إلى القرون الوسطى كما قال جورج بوش الصغير أكثر من مرة، تكون المسؤولية التاريخية والأدبية ملاحقة لأمريكا حتى وإن تغيرت الإدارات الأمريكية وذهب بوش الصغير وجاء باراك أوباما الذي يقول إنه سيسحب القوات الأمريكية من العراق. المسؤولية التاريخية ستبقى، ومثلما تتحمل بريطانيا مسؤولية تسليم فلسطين إلى اليهود، فسوف تتحمل أمريكا مسؤولية تدمير بلد عربي له من الحضارة سبعة آلاف سنة، وتحويله من دولة مؤسسات إلى دولة فاشلة. لم يكن حكم النظام السابق مريحاً للعراقيين، فأي حكم دكتاتوري تسلطي يُحرِّم الشعب من الحرية ويسلبهم الكرامة لا يحظى بحب الشعب. الحكم السابق رغم مساوئه إلا إنه كان يفرض الأمن ويقدم الغذاء لشعبه، وأطياف الشعب وطوائفه متعايشة فيما بينها. ومع أن هذه الأطياف جميعها تقريباً مستهدفة من النظام السابق الذي كان لا يعرف إلا أسلوب «من ليس معي فهو ضدي»، إلا أنه ومع ذلك لم يتم «القتل على الهوية»، ولم تشهد بغداد والمدن العراقية عزلاً للأحياء ووضع حواجز أسمنتية لتقسيم المدن وحتى الشوارع، ولم يتم نهب المصارف والبنوك والقيام بسرقات تتجاوز عشرات المليارات من الدولارات، ولم تدخل الأسواق العراقية مواد فاسدة وأغذية منتهية الصلاحية وبمعرفته ولفائدة نوعية من الوزراء. أمنٌ تلاشى، وفسادٌ استشرى، وحكمٌ ضائع، وكل هذا تحت إشراف ووجود القوات الأمريكية وسفارتهم التي تعد الآن أكبر سفارة في العالم في بغداد. ماذا يستفيد العراقيون من بقاء القوات الأمريكية التي جلبت الخراب للبلاد والفساد؟! فإن بقيت لا تنفع وإن خرجت لا يخسر جراء خروجها سوى من جاؤوا متدثرين بعباءاتها عباءة الاحتلال. الشيء الذي نجح الأمريكيون في تحقيقه هو إيصال العراق إلى القرون الوسطى، بل إن التاريخ يؤكد لنا بأن العراق في القرون الوسطى كانت أفضل حالاً من الآن.