الدول المتقدمة سبقتنا كثيراً في التحضّر والمدنية أخذوا بالأسباب والنواميس الكونية فتقدموا صناعياً وعمرانياً وطبياً وتحققت لهم الرفاهية وارتفع م ستوى الدخل المادي للفرد وتقدموا فكرياً ونفسياً فأصبح المواطن يهتم بالقراءة والتطوير ويأخذ بالنصائح النفسية: كيف يدفع القلق؟ وكيف يطور إنتاجيته؟ مستفيداً بذلك أقصى ما يمكنه من عطاءاته الفيسولوجية التي منحها إياه الرب سبحانه، إلا أن الأمر لم يتوقف عند ذلك، بل ساعده على ذلك مجتمعه الذي أسس مبادئ أخلاقية ارتكز عليها المجتمع والحياة السياسية فيه هي بالأصل خطوط إسلامية نادى بها الحبيب عندما أتى بشرع الله الذي أراد الله أن يحمل بيديه العلم والدنيا رغم أن أهله لم يوفقوا لذلك! إنها مبادئ العدل والشفافية وتمكين الأدوار لمستحقيها دون المتزلفة والمتوسطة (المتمكنين بالواسطة) كما هو الغالب في مجتمعنا الشرقي تراجعنا بعد ذلك إلى تصنيف دول العالم الثالث رغم أن المعتقد الصحيح بأيدينا فصرنا كالمنبت لا أرض قطع ولا ظهراً أبقى، انقسمنا بعدها على أنفسنا إلى طرفين طرف يدعو المقاطعة الحضارة الأجنبية والانكفاء على النفس وحبس المجتمع في قوقعة العرق والتراث رغم أنه لا يملك الشخصية المستقبلية الواعدة، والآخر أراد لنا أن ننطرح في وسط التجربة الغربية بالجملة نتدنس بما فيها من ممارسات تطمس طهارة العلاقات الأسرية عبر ممارسات غير أخلاقية رتبها الإسلام بما يليق بالمخلوق البشري المكرّم، إننا نتكئ كثيراً على أننا نحن الأفضل ونعلّق إخفاقاتنا على شماعة علو الإسلام فنقنع أنفسنا باعتقادات ليس لها في أرض الكدح أي اعتبار! نطمس على أثرها أسلوب المخاطبة والتواصل والحوار مع الآخرين مهمشين مقولة الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذ بها. إن المجتمع المدني المحمدي في المدينة كان مزيجاً من ألوان الطيف المتناسقة تحقق فيه مبادئ العدل السماوية مع ما كان يضم من أديان وبشر، مخلصون ساهموا بنجاحاته وناقمون لم يستطيعوا إيذاء المجتمع لأنه كان كخلية النحل صعب النفاذ إليه مع أنهم أفنوا أعمارهم على أرضه فذلك هو سر المجتمع الناجح بكل المقاييس!