أصدقاء السوء. كلمة سمعناها كثيراً منذ طفولتنا ولكن غالباً لا نعرفهم إلا بعد فوات الآوان. ذلك أنك عندما تسمع هذه الكلمة فإنه قد تقفز لمخيلتك صورة شخص ذي وجهٍ خبيث، يعطيك اقتراحاتٍ واضحة السوء مثل «أريدك أن تعق والديك اليوم!» ثم يتبعها بضحكة شريرة. على الأقل هذا ما كان يخيل لي وأنا أسمع وأقرأ عن صديق السوء والتحذير منه في صغري في الكتب والخطب ولكن الشيء الذي لم أدركه إلا متأخراً هو أن صديق السوء ليس له مظهر معين. صديق السوء يمكن أن يكون جارك أو زميلك في المدرسة، مظهره عادي وملامحه طيبة وتتكلم معه كل يوم. أدركت هذه التفاصيل لما تأملت حالي اليوم وتخيلت ما كان يمكن أن يحصل لي لو أني اتبعت الطريق الذي زينه لي بعض أصدقاء السوء في طفولتي. طفل كنت أعرفه وأحادثه باستمرار، واكتشفت يوماً أنه يدخن رغم حداثة سنه، ولم يخجل بل حاول تزيين التدخين بالنسبة لي ومزج كلامه بالابتسامة والنكتة، والحمد لله وحده أني لم أقع في حبائله. رأيت هذا الشخص مؤخراً وقد اصفرت أسنانه واسودت لثته، لا يستطيع أن يجري 10 خطوات بدون أن يسقط لاهثاً منقطع النَفَس. حينها أسفتُ على حال بعض أطفالنا الذين قد يسلكون طرقاً يمهدها لهم أصدقاء السوء ولا يندمون إلا بعد فوات الأوان، ولعل أبرز فخاخهم هي الدخان، ذلك أنه رخيص السعر جميل التعليب سهل الشراء، فإذا كنتَ لا تدخن فاحمد ربك على هذه النعمة، وإذا كنت تدخن فلا شك أنه لا تخفى عليك أضرار الدخان، ففي الولاياتالمتحدة يموت كل سنة 500 ألف شخص بسبب أمراض سببها التدخين، وقرابة ثلث سكان الصين (أي أكثر من 430 مليون شخص) سيموتون باكراً لنفس السبب. المدخن يفقد 14 سنة من عمره إذا كان مستمراً على التدخين، وأكثر من نصف المدخنين في العالم سيموتون باكراً بسبب التدخين إذا لم يتوقفوا، والأعمار بيد الله لكن المقصود بكلمة «باكراً» أي قبل العمر المتوقع، فإذا كان العمر الشائع والمتوقع للمواطن هو 90 سنة فإنه يموت قبل ذلك. التدخين يزيد احتمالية الوفاة قبل الثالثة والثمانين من العمر بسرطان الرئة بنسبة 22%. الرئة المسكينة ستعاني كثيراً، فغير السرطان فهناك مرض الانسداد الرئوي المزمن وأهم أسبابه التدخين، ومن أعراضه ضيق النَفَس والسعال والتعب وضغط على الصدر، ويبدأ المدخن بملاحظة هذا المرض في البداية عندما يمارس الرياضة أو يبذل مجهوداً ويلاحظ أنه لا يتنفس كمية كافية من الهواء، ويزداد المرض سوءاً على مر الزمن إلى أن تصبح الأنشطة اليومية العادية مجهدة وتحتاج نفساً. ناهيك عن الأزمة القلبية والجلطة، وهي من أخطر الأمراض التي يمكن للسجائر أن تسببها. وهذا طبيعي، فالرئة صممها الخالق سبحانه لتتنفس الهواء لا للدخان، والسيجارة وسيلة سريعة فعالة لإيصال السموم للأعضاء الهامة، فعندما يستنشق الشخص الدخان فإنه ينتشر فوراً خلال الوريد الرئوي، ومن هناك ينتقل للقلب ثم إلى المخ، كل هذا في أقل من ثانية من الاستنشاق، وهذا من عجيب صنع الخالق، فالرئة مليئة بالكثير من الحويصلات والشعب الصغيرة والتي يبلغ مجموع مساحتها أكثر من 70 متراً مربعاً (أي بمساحة ملعب تنس)، وهذه المساحة الهائلة يمكنها امتصاص الغازات بفعالية، سواءً كانت أدوية نافعة أو أدخنة قاتلة. وغير الضرر الذي يسببه المدخن لنفسه فهناك آثار التدخين السلبي، أي استنشاق غير المدخنين لدخان المدخنين، وهذه مشكلة في الأماكن العامة بالذات، وهنا فإن المدخن يبوء بإثم الأضرار التي تصيب غير المدخنين، وإذا كنتَ ممن يختلط كثيراً بالمدخنين فاحتمال مرضك يزداد، ذلك أن الجمعية الدولية لأبحاث الدخان أجرت دراسة واسعة في مختلف دول العالم ونشرت تقريرها عام 2004 مفيدة أن التدخين السلبي يسبب السرطان، خاصة سرطان الرئة والثدي والكلية والمخ. أيضاً يسبب فقدان السمع، والتهابات الأذن، والربو، والتدهور العقلي والخرف، وأمراض القلب، والكثير جداً غير ذلك. أعلم أن ترك التدخين صعب، لكن لعلك إذا استحضرت كل هذه الأضرار تستطيع أن تستجمع قليلاً من الإرادة لتترك هذه العادة التي لن تجلب لك ولغيرك من الأبرياء إلا الألم والعذاب. وفقكم الله.