الشورى مصطلح إسلامي استمده بعض فقهاء وعلماء المسلمين من بعض الآيات القرآنية مثل {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} (الشورى 38)، وقوله تعالى: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} (آل عمران 159). ويرى الطهطاوي ومحمد عبده والكواكبي وسائر الآخرين أن الشورى مستنبطة من القرآن الكريم والسنة وليست من معاشرة الأوروبيين والوقوف على حال الغربيين فإنه لولا الاعتبار بحال هؤلاء الناس لما فكرت أنت ومن ينجر نحوك أن هذا من الإسلام. والشورى تختلف عن الديموقراطية التي تستند على مبدأ أن الشعب هو صاحب السيادة، ومصدر الشرعية فالسلطة في النظام الديموقراطي هي للشعب وبواسطة الشعب تتحقق سيادته. إن الشورى والقانون والجمهورية قديمة تعود إلى ابن خلدون الذي وصف السلطة الرومانية القديمة في عصرها الجمهوري بأنها حكم شورى ودلالة التشبيه واضحة مؤداها أن نظام الحكم ليس فردياً بل إنه يقوم على مجالس وهيئات نخبوية واعتبر الفلاسفة المسلمون قبل ابن خلدون أنها تشبه أهل الحل والعقد في الإسلام، وشهد القرن التاسع عشر بدءاً جديداً للماهية السابقة الذكر مع الطهطاوي الذي كان متردداً على أي حال بين اعتبار الحكم الدستوري شوريا تارة وعادلا تارة أخرى، ثم أقام رجالات «تركيا الفتاة» علاقة بين الدستور وحكم الشورى وهو ما فعله محمد عبده، وخير الدين الأفغاني وتلامذتهما في محاولة لتسويغ الحكم الدستوري وتأصيله باعتباره لا يختلف عن نظام الشورى الإسلامي. الحديث عن الشورى إذن في المجال السياسي في الذات ليس من نتاجات الحقبة الراهنة بل إن تشبيهها بنمط معين من أنماط الحكم ليس جديداً لكن لها قصة في تجربة أمتنا التاريخية تستحق أن تروى ليس للكشف عن أصول المسألة فقط بل لأمرين اثنين مهمين أولهما مراقبة جدل العلاقة بين النص والتاريخ في تجربة أمتنا وثانيهما أيضا خصوصية مجالنا الثقافي التاريخي والراهن طرحاً للمسائل وإدراكاً لها وتعاملاً معها. إن أول المَواطن (بفتح الميم) التي يكثر فيها الحديث عن الشورى ما هو مأثور عن عمر بن الخطاب من أقوال أثناء خلافته إذ قال: «من دعا إلى إمارة نفسه أو غيره من المسلمين من غير مشورة من المسلمين فلا يحل لكم إلا أن تقتلوه) وفي موضع آخر قال: «الإمارة شورى». قال الشاعر: نعاهد الله عهداً لا نخيس به أن تقبل اليوم شورى بعد من ذهبا ومن يتولى أمور المسلمين باسم الشورى فما عاد الأمر مقصوراً على أهل الوجاهة من قريش في الاختيار والولاية معا، ومعروف أن الذين ذهبوا على أن الولاية ليست مقصورة على قريش هم الخوارج وقالوا إن من حق كل مسلم بالغ حر عاقل أن يترشح لها ويصل إليها إن بايعه المسلمون، ولكن ديموقراطية وشورى الخوارج كانت مقصورة عليهم على اعتبار أنهم هم المؤمنون ومن عداهم من المسلمين يتراوح أمره بين الضلال الجزئي أو الكامل. إن أهل الشورى هم السواد الأعظم من المسلمين وبذلك أعطوا (الشورى) الواردة في القرآن الكريم أفقا جديداً يتناسب مع المجتمع المفتوح الذي عرفته الأمصار المزدهرة التي حدث فيها اندفاع اجتماعي وثقافي زاخر شكَّل الثقافة الإسلامية العريقة التاريخية التي نعرفها، قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} صدق الله العظيم. - الرياض