الوطن شرف رفيع، ولا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم. ودم الشهيد الذي سال دون شرف الوطن لا يضيع هباءً أبداً، لا في الدنيا، ولا في الآخرة. ففي الدنيا ستظهر مكارم الشهيد على أبنائه وأحفاده باسترجاعهم سيرة أبيهم البطولية، وهناك في الآخرة في الموقف العظيم عندما يُحشر مع الأنبياء والصدِّيقين والشهداء والصالحين، وحَسُن أولئك رفيقاً. حب الأوطان فطرة إنسانية، والدفاع عنها والموت دونها شرف عظيم تفاخرت به أمم الأرض قاطبة، حتى أن بعض الأمم كانت إلى وقت قريب تمنع العبيد من المشاركة في هذا الشرف؛ فلا يشارك إلا النبلاء في الحروب؛ فقتيل الحرب هو شريف قومه؛ لذا منعوا عبيدهم منها. وقل لي بربك هل رأيت أُمَّة عظيمة قامت إلا على دماء شهدائها؟ الوفاء مشهد إنساني عظيم، وأعظم الوفاء وفاء الوطن لشهدائه؛ لذا فلا يلمني لائم بجيشان نفسي وبجريان دمع عيني عند رؤيتها مشاهد إكرام الوطن لأهل الشهيد في عزائهم والوقوف معهم ونصرتهم؛ فهذا من وفاء الوطن لأبطاله. أمراء الوطن أبناء الوطن؛ فهم من الوطن وإلى الوطن. لم يغب الأمير محمد بن نايف قط عن مشهد من مشاهد الوفاء الكبرى، مشهد إكرام الوطن لشهدائه. شرُفت نفس الأمير حتى نازعت حكمته؛ فدفعته لركوب المخاطر في شهود جنائز الشهداء وغشيان أماكن عزائهم، فحاله حين شهود هذه المشاهد لا يقل خطراً وخوفاً عن حال شهدائنا حين مطاردتهم الجناة والمجرمين والمارقين، بل لعله أعظم؛ فأمير القوم هو قائدهم. وما كانت حاجة أو دَيْن أن تؤرق أهل شهيد أراق دمه دون حمى المملكة العربية السعودية؛ فكانت مواقف الأمير نايف بن عبد العزيز مشاهد أخرى من مشاهد وفاء الوطن لشهدائه. مشاهد الوفاء مشاهد إنسانية مؤثرة؛ فليس لعين لم يفض ماؤها عذر. ما بقي من واجب على عبد الجليل العتيبي وبراك الحارثي وعبود الأكلبي وشهدائنا وجرحانا من قبلهم؛ فقد أعذروا إلى الله وإلى الوطن وإلى أهليهم، ونالوا ما صبوا إليه، فقد كان من أراجيزهم قولهم: أَرَى كُلَّنا يَبغِي الحَياةَ لِنَفْسِهِ حَرِيصاً عليها مُسْتَهاماً بِها صَبَّا فحُبُّ الجَبانِ النَّفْسَ أَورَدَهُ البَقا وحُبُّ الشُجاعِ الحَرْبَ أَورَدَهُ الحَرْبا وهذه عادات قادة حماة أمن الوطن نايف بن عبد العزيز وابنه محمد، ما تغيرت وما تبدلت، ومن يقدر على ما يقدرون عليه؟ وصدق من قال: وكُلٌّ يَرَى طُرْقَ الشَجاعةِ والنَدَى ولكِنَّ طَبْعَ النَفسِ للنَفسِ قائِدُ مشاهد التضحية ومواقف النبل والوفاء هي أراجيز الشعوب ووقودها التي تحيي فيها صدق الانتماء؛ فتشد أصرها وتقوي لحمتها فلا ينبغي لها أن تكون من المسكوت عنه؛ لذا كانت هذه الكلمات هي جهد المقل في مشاركة رمزية مع حماة أمن الوطن وأمرائهم، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله.