رغم أن الوقت فجراً في مطار الملك خالد الدولي، ورغم أنك في رحلة داخلية، ورغم أن صف واقفين أمام الكاونتر لا يتجاوز خمسة أفراد، ورغم أنك جئت في وقت الحضور، إلا أنك لا تضمن برود موظف التذاكر وتثاؤبه المستمر، وصراخه مستنجداً بزملائه، دون أن يتحرك في الصف أمامك مسافر واحد. رغم أن قلبك يخفق، وعيناك تتناوبان النظر بين ساعة يدك وساعة الحائط خلف الموظف، ورعب يأكل أطرافك من أن تدخل خطر الدقائق الخمس والأربعين قبيل الإقلاع، وبالتالي إقفال الرحلة في وجهك، ورغم قلقك وتجاوز من أمامك كل فينة وأنت تشرح لموظف الخطوط السعودية بأن الوقت طار وهو مازال أمام مسافر واحد، وهذا يعرِّض رحلتك إلى الإقفال، إلا أنه يقول لك بحاجبين معقودين، إن كل الذين أمامك مثلك، ومسافرين إلى الوجهة ذاتها، فتتنفس الصعداء وتعود إلى الصف!. حين تقف أمامه أخيراً، وبعد دقائق يعيد تذكرتك الإلكترونية إليك، قائلاً بأن الرحلة أقفلت، يعني أذهب إلى فراشك وأكمل نومك في البيت، ولا يهم إن كان لديك خط سفر مكون من خمس محطات، وإلغاء المحطة الأولى يعني إلغاء كل سير رحلتك، وإلغاء كل مواعيدك والتزاماتك مع الآخرين في عدة دول. هذا ما حدث لي شخصياً الأسبوع قبل الماضي، وربما حدث لبعضكم في مرات عديدة، أن تقفل الرحلة وتذهب مواعيدكم سدى، فيفقد البعض فرصة عمل نادرة، أو موعد مستشفى محجوز منذ ثمانية أشهر، أو مشاركة مراسم عزاء، أو حفل زواج، أو سفر طويل ومحطات عدة كما حدث لي، وفشل مهمة وطنية، وتوقيع عقد في الخارج، وجميع ما يترتب على ذلك من ضياع حجوزات خطوط أخرى، وحجوزات فنادق، وما إلى ذلك. كل هذه المصائب التي قد تعترضك، تكون بسبب نعاس الموظف وتثاؤبه، وعدم إحساسه بالمسؤولية، ولو لم يتحرّك لي ولمسافرين آخرين، المدير التنفيذي فواز المطيري، وشعوره بالمسؤولية تجاهنا، وورطتنا بأن فشلنا في أول محطة سفر، لضاعت مواعيدنا وارتباطاتنا والمهام التي كنا سنقوم بها، لكن السؤال لم يحط بالمسافر كل هذا القلق، ولم يحتج إلى إشغال المدير التنفيذي بأمور عادية، كان يمكن تنظيمها بشكل جيد، بما يضمن عدم سماع الجملة البغيضة: الرحلة قفَّلت!. في رحلة العودة، لاحظت في محطتين أن كاونتر الخطوط السعودية ينظم عمله بشكل لائق، خلافاً لمطار الملك خالد بالرياض، ففي كاونتر قطع تذاكر صعود الطائرة في مطار هيثرو، وفي مطار الملك عبدالعزيز في جدة، كانت الطريقة سهلة جداً وعملية، وهي وضع صف واحد فقط محاط بحواجز، وفي نهايته يقف موظف يقوم بتوجيه من بلغه الدور إلى أحد الكاونترات الخالية، وفي الوقت نفسه، لو اقترب موعد إقفال رحلة ما، وقبلها بربع ساعة، يقوم هذا الموظف بالنداء على المسافرين إلى تلك الوجهة، بالتقدم نحوه، ليمنحهم الفرصة قبل غيرهم بسبب قرب موعد إقفال الرحلة، فلا تحدث الفوضى المريعة في مطار الملك خالد، تلك الفوضى التي تحدث فجراً، وفي الصالة الداخلية! كيف إذن لو كنا في وقت الذروة مثلاً، ماذا سيحدث؟.