أما الثلاثاءُ الأولُ فكان يتقدم الأصدقاء لزيارةِ أحدهم حين لم يستطع لمرضه حضور اجتماعِ لجنتهم التنموية التطوعية؛ وجاءَ الثلاثاء الثاني مع المجموعة ذاتها في جلسةٍ هادئةٍ يستعيدون فيها إنجازاتهم ويستعدون لقادمِ مهامهم. لعلَّه شعرَ أنه قد أكمل دوره فلوَّح بوداعٍ صعب في لحظةِ فرَح، ولم ينتظر ليهنَأَ بنتاجِ جهدٍ وتخطيط غد، وانثلَمَ فريق عملٍ نادرٌ في امتزاجه حدَّ التماهي؛ فلا رئيسَ ولا مرؤوس، ولا كبير ولا صغير، وكانوا (فهد البسَّام وشرقي الشرقي وعبد الله السليم ومحمد الزامل وعمر التركي وعبد الله الحميدان ومحمد الخليل وخالد الخويطر ومحمد باسم الزامل) صورةً مضيئةً للعمل التطوعي المؤمن - كما قالوا في كلمة احتفالهم الكبير- أن التنميةَ المحلية ليست محلية وفق عالم الإدارة الفرنسي «بيرنار بيكير». انطلقت المجموعة في رؤيتها من أدبيات التنمية العالمية التي تغنينا عن الدخول في جدل طويل حول خدمةِ البيئة المحلية التي لا تعني انغلاقًا على الذات بل تتوجه نحو انفتاح مواتٍ لتبادلات متعددة مع البيئات القريبة بهدف كشف القدرات الداخلية للإنتاج في إقليم معين، وهو ما قال به سافيي غريف وآخرون، وتأكيدًا لما ورد من تعريفٍ للتنميةِ المحلية في برنامج الأممالمتحدة الإنمائي بوصفها ثمرة إنجاز يهدف إلى تحسين ظروف عيش السكان القاطنين في فضاء معين بكيفية مستدامة على المستويات المؤسسية والجغرافية والثقافية. وإذن فلا بدع إن اعتنى أهل كل نطاق وقطاع ومدينة بأرضهم وناسهم وحياتهم، وكان الأستاذ عادل بن عبدالعزيز القاضي (1959 - 2011) نموذجًا بارزًا خدمَ مدينته مثلما خدمَ وطنهُ وظلَّ حتى ليلة غيبوبته متحمسًا للعمل التطوعي الشامل. كان مؤمنًا - مع زملائه - أن عنيزة هي أجا حائل وقارة الأحساء وجبال فيفا وبحر جدة، وأخدود نجران ورمال الدهناء وهي ثهلان ورابغ وعرعر وتاروت وسدير والوشم وتبوك والرياض والفياض وبريدة والمذنب والبدائع والشرائع وضفاف الوادي والربع الغالي وهي زيتون الجوف وعنب الطائف؛ فالوطن شعار ودثار، ومظلة ومطلة، وواجهة الهوى وفاتحة الخطاب وخاتمته. ليس المهم هنا مفردات الرثاء؛ إذ يكفيه منّا الدعاء، غير أن استعادة الذاكرة لهذا النموذج المضيء حافزٌ لمن شاء العملَ في الظلِّ حيث الصمت، وفي السر قبل الجهر، وبالإخلاصِ مبتدأً وخبرا، غفر الله له وألهم ذويه الصبر والأجر. الذِكرُ هو العُمر.