قد لاآتي بجديد عندما أكتب عن علم كابن خميس... فأين أنا منه ومن الذين رثوه... لكن حبي له يشفع لي بالكتابة عنه وقد قرأت جميع مؤلفاته وهي في مكتبتي بزاوية تخصه هووحده، كما للمبرزين الخالدين أمثاله زوايا خاصة كغازي القصيبي، وعبدالرحمن منيف -رحمهم الله- ومحمد بن ناصر العبودي أطال الله عمره... وكانت علاقتي بهذا العالم الجليل من خلال كتبه (الأدب الشعبي في جزيرة العرب)، (والخلاوي)، (الحرب وشعر العرضة)... ثم توالت مطالعاتي لكل ما كتب وألف وحرصي على اقتنائها... زرته وأنا شاب يافع في مطبعته الفرزدقية ورحب بي وسألني عن كثير من عائلات الرس وبعض مواقعها وقد بدا أعلم بها من أهلها.. فقلت له يبدوأن أهل الرياض أدرى بشعابنا.. فقال لا يا ولدي فيكم الخير والبركة ونصيحتي لك أن تستمر في الاطلاع والبحث واحرص على القراءة بتواصل ولا تأبه بأي مغريات أخرى وأنا أتوسم فيك خيراً كثيرا (ولكن يبدوأنني خيبت ظنه).. ثم كان أن دعاه مكتب رعاية الشباب بالرس في إحدى مناسباته لإلقاء محاضرة فاختار عن (القهوة علالة الضيف ورمز الكيف) وكان لي شرف تقديمه في تلك المحاضرة... وبعدها كان لي شرف مرافقته وصديقه الشاعر محمد بن عبدالله المسيطير- رحمه الله- وهذا من أساتذتي الشغوف بهم والمقربين إلى نفسي... ذهبنا (العملاقان الكبيران وأنا) حيث أقود بهم السيارة إلى جنوبالرس لنمر على بعض المواقع التاريخية كالأنعمين (القشيع) و(خزاز)، و(كير) وكان المسيطير بصوته الجهوري يروي الشعر عن كل موقع من هذه المواقع ووالدنا -رحمه الله- يبادله الشعر مبتسماً طرِباً لما يسمع... هذه الابتسامة التي أشعرتني وأنا الشاب اليافع بأبوية أحسست معها بالفخر والاعتزاز... كيف لا وأنا برفقة عملاقين، وكان- رحمه الله- يحاول في صديقه أن يعود إلى الكتابة والتأليف عطفاً على ما يكتنزه من علم وتراث وأدب يؤكد معه والدنا ابن خميس أنه (أي المسيطير) سيضيف إلى المكتبة الكثير (وهذه أخلاق العلماء) وقد داخلت وقلت يا شيخ عبدالله أستاذنا (ألهاه الشعير عن الشعر) كما يقول كاتبنا المخضرم يوسف الكويليت فضحك- رحمه الله- ضحكة مشرقة لولم أكن أقود السيارة لقبلت رأسه وقال مردداً نعم نعم صحيح، وعندما مررنا قافلين على قرية (المطية) قلت لهما: إن الشيخ حمد الجاسر يقول: إنها (أم طية) فقال- رحمه الله- الشيخ حمد أبخص فهومن بحث في هذه الأماكن وأجاد الله يطول عمره (وهذه أخلاق العلماء) ماأود قوله أن فقيدنا- رحمه الله- أديب جزل وذوحضور مميز ومبهر استطاع معه جذب جيل من الشباب لجمال وصدق وجاذبية ما يطرح وما يؤلف، ولأن ما تفجرت به قريحته الشعرية والأدبية والتراثية يستحق القراءة والمتابعة بل والدراسة، وكان ذروة سنام إنتاجه وجهده المضني وأيضا تأكيد إعجابنا به رمزاً لا يجارى برنامجه الإذاعي (من القائل) وقد تابعته والملايين غيري كل يوم جمعة (الساعة الثانية ظهراً) واحتفظت بأشرطة تسجيلية له، وبالكتب عند صدورها، فلكم أن تتخيلواكم من الجهد والبحث يبذله هذا الرمز الكبير المهموم بأمته في الإجابة عن أسئلة متنوعة من شوارد الفصيح والنبطي، وقد أضاف بعد ذلك كتبه الثلاثة عند الشوارد في شقيها الفصيح والنبطي... ولعل من حبي له أن داخلت مرة في أحد البرامج الرياضية وكان أحد ضيوف ذلك البرنامج عصام الخميس- رحمه الله- عندما كنت أشاهد الحلقة وذكرتني ملامحه بأبيه الشيخ عبدالله وقلت لمقدم البرنامج أن مداخلتي هي لبعث التحية والتقدير لوالدنا عبدالله بن خميس، وقد هيضني به ابنه الأخ عصام ثم ألقيت مداخلتي ولم تكن هي الهدف بقدر ما كان بعث تحية إجلال وإكبار لرمزنا الكبير وعلى الملأ... ومن مؤلفاته- رحمه الله- المهمة (المجاز بين اليمامة والحجاز، ومعجم اليمامة والدرعية، وشهر في دمشق) وقد قضيت متعة قراءتها جميعاً منذ صدورها في طبعتها الأولى. ومن هنا ليس كافياً أن يسمى شارع باسمه بل لابد من مدرسة أوكلية أوجائزة للباحثين في التراث، أوالجغرافيا، أوالشعر.. فإلى كل من أطربهم هذا الجهبذ الفذ أدعوهم أن يساهموا مجتمعين مع عائلته في إيجاد جائزة باسمه وهذا أقل ما يقدم لرموزنا الكبار الذين نذروا أنفسهم لخدمة بلادهم وشعبهم وابن خميس ذروة سنام هؤلاء بلا منازع ولعل جريدة الجزيرة العملاقة تتبنى ذلكم المؤسسة تقديراً لمؤسسها ذي التطلع السابق لعصره حين فكر في تأسيس صحيفة صارت من ألمع صحفنا العربية. رحمك الله والدنا رحمة واسعة وأنزلك منازل الصالحين والأبرار... وأسأله أن يصبر أبناءك وأحفادك على مصابهم الجلل بفقدك... وأنت من يفقد أيها العالم العظيم...