ارتمت عيناه فوق زرقة البحر الصافية، فمنذ زمن بعيد لم ير ارتعاشتها الرشيقة، لم يصغ لأمواجها المتهافتة. نبض الأعوام يتدفق كالسيل جارفا الذكريات، خطوه لاهث، الدعة قلق، والصمت انقطاع عن العالم، والقلب في عناء، ذاب في أتون العمل المتواصل، وها هو يجلس أمام البحر متبتلا ليبصر الأفق وقد التصق بسطح مياهه في غموض وانزواء، والخريف تتساقط أوراقه فتعانق أديم الأرض في هوان وانكسار. يعود إلى بيته، لم تعد بعد من عملها.. في زمن مضى من أعوامهما الأولى كان ينتظر عودتها.. اشتقت إليكِ أنا أكثر ماذا أعددت على الغذاء؟ تعال لترى بنفسك سرعان ما تفقد الأشياء حرارتها ونسأم معانيها.. ضقت بالغضب، خصام يتبعه صلح وصلح يليه خصام، مللت مرور الأيام بين راحتيك في صرامة وحزم.. دلف إلى المطبخ، تناول غداءه البارد في صمت. تسارع يده إلى وجنتيها لتمسح عنهما الغضب، ولكن الدلال يتفحم فيملأ أزمنة الحب، ولم يبق متسع وجمالك تتراكم فوقه طبقات من إهمال وانشغال وحنق وغضب وثوم وبصل وجد وعمل.. مولع بأمس ذكراه قريبة يود لو يستبقيه.. يعجب لشعوره أن تغيرا ما يحدث.. شعيرات بيضاء؟ ينظر في المرآة مرة بعد أخرى. غادر البيت إلى عمله، شيء يجثم فوق الصدر فيختنق الشهيق وتشتاق العين، ويهفو الإحساس ويطير الخيال محلقا متجاهلا.. العاشرة مساء، البيت مظلم.. ضوء خافت يطل من غرفة ريم ودانا.. وضع أكياس الخبز فوق المنضدة متجها صوب غرفتهما محاذرا.. تغطان في سبات ناعم، وزوجته بجانبهما نائمة، استدار وغضب يستبد به.. ضغط على زر التلفاز نافخاً.. سحب تتجمع ورياح تقبل وأمطار لا تسقط.. انطلق إلى الطريق، برودة الهواء تخفف جفاف الحلق.. لن أسعى لدلالك أرتجيه. في فراغ الصخب أحتسي قطرات سعادة، فأبقي حيث أنت معهما وأنا عندك لا وجود لي، كأنما حملتك فوق جناحي إلى مكان تعشقينه ثم أبديت شكرا، ووليت عني إلى صغيرتين أحبهما، وكلما رأيتني تحجبينني عن عينيك.. وماذا تنتظرين؟ أن أقدم فروض الصدق والولاء وما زلت في سذاجة دلالك ترفلين؟! استيقظ مثقل الرأس..ورنين المنبه يدوي..خرجن جميعا هي إلى عملها، وابنتاه إلى مدرستهما.. يتجه صوب المنضدة ليتناول إفطاره، والغضب في عمق النفس خمار ملتهب.. وإذا بوريقة بجانب فنجان الشاي، رأى مثلها من قبل.. تحترق رغبة وتبرد أمنيات حارقة..يقرؤها في تمعن : شكرا يا بابا على الخبز ريم، دانا