أسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله- هذا الكيان المصون، فعاشت البلاد والعباد في رغد من الله تعالى، إذ كان بعد توفيق الله له ولرجاله المخلصين الذين تجشموا الصعاب، وقطعوا المفاوز والقفار، فقام هذا الصرح المنيع حتى وصلنا إلى ما نحن فيه من رغد العيش، والعلم، والأمن والحياة الكريمة، بعد سنين عجاف من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات. لقد سار ملوك هذا الوطن المعطاء على سنن والدهم المربي الكبير -طيب الله ثراه- فبقيت مملكة الإنسانية محمية الذمار والجار، منيعة الدار، حتى أظلنا هذا العهد المبارك الميمون لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- ونحن نعيش في مرحلة تجاوزت الخيال، بتنمية شاملة كاملة، يأوي إليها أبناء الوطن، والمقيمون على ثراه، في صورة تعكس قوة الترابط والتلاحم بين الراعي والرعية في عالم أضحت فيه ضربًا من الخيال، وما ذلك إلا بتوفيق الله جل في علاه ثم بعدالة الحكم، وشرعية المبدأ، وحنكة الحاكم، ووفاء الشعب. إن هذا الوطن الكبير بقيادته ورجالاته وأبنائه وبناته يقوم على أرضية ثابتة، وتضرب جذوره في كبد التاريخ، وطن قد استمد شرعيته من السماء، ورسوخه من الجبال، وعطاءه من البحر، وامتداده من البيداء، وطن ربط بين الحاضر الزاهر بأبهته، والماضي المتسامي بألقه، من أجل المستقبل المنير برُقِيّه. وإنه لمن الشرف الأسنى ونحن نعيش عبق الماضي المجيد من خلال الجنادرية أن أتقدم لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وإلى سمو ولي عهده الأمين الأمير سلطان بن عبدالعزيز، وإلى سمو النائب الثاني الأمير نايف بن عبدالعزيز، وجميع أفراد الأسرة المالكة الكريمة، بهذه المناسبة المبهجة للقلوب، والتي تؤدي رسالة صادقة بمدى التلاحم المتين الذي تعيشه بلاد القداسة على أيدي ولاة الأمر السائرين على نهج آبائهم المخلصين حكمًا بكتاب الله، وحرصًا على مكانة البلاد، ورحمة مع رعاياهم. إن البهجة بهذه المناسبة المجيدة، والتظاهرة الفريدة، لدلالة على التلاحم بين أبناء هذا الوطن الأغر، واستلهام لأصالة أجداده، ووفاء أحفاده، في منظر يربط بين ما وصلت إليه مملكة الإنسانية من رقي ورفعة، وبين ما كانت تعيشه قبل سنوات معدودات، ليدرك الناظر مدى النقلة الجبارة التي شهدتها هذه البلاد المباركة على يدي المؤسس القائد -طيب الله ثراه- من ارتقاء وتقدم حتى أضحت في ميدان السباق المحموم نحو القمة بالعدل والحكمة والعلم والإيمان. إن مناسبة الجنادرية قد جاءت لتؤكد القيم الدينية والاجتماعية التي تمتد جذورها في أعماق التاريخ، وتُوجِد صيغة للتلاحم بين الموروث الشعبي بجميع جوانبه وبين الإنجازات الحضارية التي تعيشها المملكة العربية السعودية، والنفث في روح الشباب قوة الصبر وتحمل الجلد والمسئولية، مع أهمية ترسيخ روح المجتمع المتكاتف، والمتمثلة في الآباء والأجداد الذين سطروا في ذلك أروع الأمثلة. بحق، إن الجنادرية جاءت لتوائم بين هذه المعطيات، فالماضي بألقه وروحه يعيش بيننا اليوم، ليؤكد للمدنية المعاصرة أن من ليس له ماض فليس له حاضر، ومن اتكأ على الحاضر من غير النظر في الماضي لم يستفد من جميع المعطيات، ومن تعلق بالماضي من غير إفادة من الحاضر ومعطياته انعزل عن العالم وما يعيشه من سرعة وتقدم. حفظ الله لنا إيماننا وأمننا، وأدام وحدتنا، وسدد ولاة أمرنا، وكلأهم بحفظه الذي لا يرام، ورعاهم بعينه التي لا تنام. (*) مدير جامعة الملك خالد