وضع المرأة في السعودية، وإن كان قد أشبع كلاماً إلا أنه لم يبحث ولا حتى بحدود الكفاف، ناهيك عن الإشباع من البحث. الكلام الكثير في شيء لا يعني بالضرورة البحث فيه لأن البحث يواجه الوقائع كما هي ويبحث عن الحقائق مباشرة، وذلك لا يحتاج إلى كلام كثير أغلبه تسويف ومزاعم اجتماعية لا إثباتات لها على أرض الواقع. مصادر الإزعاج في التطرق إلى وضع المرأة السعودية كثيرة، منها أن الذين يتكلمون فيه ويتخذون القرارات النهائية هم الخصوم التاريخيون لحقوق المرأة، أي الرجال، وأن مصالح (ولا أقول حقوق) النصف الذكوري من المجتمع تظل مضمونة أكثر طالما بقيت المرأة محرومة من حقوقها الأساسية، علماً أن المصالح لا تكون دائماً حقوقاً شرعيةً قانونيةً، لأنها في أغلب الأحيان مكتسبات اجتماعية وعرفية وتراثية ولا علاقة لها بالتشريع. مسألة إخضاع حقوق المرأة للأعراف والتقاليد وإقامة السدود أمام الذرائع بدعاوى لا نهاية لها تعني عملياً أن على المرأة أن تتخلى كرهاً، ولكن باتفاق كل مكونات الدولة والمجتمع عن الكثير من حقوقها في التركات والمهور وفي الراتب وفي النفقات إلى آخر الأموال التي تدخل بصمت وانتهازية متفق عليها في جيوب الرجال. أما الحقوق المعنوية التي تفقدها المرأة لنفس التعليلات والذرائع فلا حصر لها، تبدأ بالغبن الذي تتشربه منذ طفولتها المبكرة من والديها في نقص التدليع والتشجيع مقارنة بأخيها الذكر، ثم تمتد إلى معاملة الشك والمراقبة والتحوط عليها في مرحلة المراهقة مقارنة بإطلاق العنان لأخيها المراهق الذكر ليرتكب ويمارس كل السفاهات والحقارات التي يسمح بها الشارع ويسترها الاختفاء عن المراقبة العائلية. الغلط هنا ليس في معاملة البنت بطريقة المراقبة والاحتياط، لكن في معاملة الابن بتركه يتعلم الفساد والإفساد بدون رقابة أو توجيه. في النهاية هذا الولد بمواصفاته المنفلتة سوف يتزوج يوماً ما من تلك الفتاة بمواصفاتها التشكيكية ليفرغ فيها وعليها كل عقده وموبقاته وغروره وما لقنه عن المرأة منذ طفولته وعبر مراهقته حتى كبر وتزوج. لذلك تبلغ نسبة الطلاق في السنة الأولى من الزواج عندنا أرقاماً فلكية يستحسن أن لا تقال لأنها فضيحة لنا على مستوى العالم. أعود بكم مرة أخرى إلى مصادر الإزعاج في التطرق إلى وضع المرأة السعودية. بالرغم من محاولات إحكام الطوق الاجتماعي على المرأة بادعاء حمايتها والمحافظة على أخلاقها الفاضلة، إلا أنه يبدو مع ذلك أن المحاولات لم تؤدِ إلى وجود المرأة المثالية كنموذج. المرأة السعودية بوضعها الحالي إما امرأة بعيدة تماماً عن الحياة الفكرية والإنتاجية ومستسلمة لما هي عليه، بل وتطالب بالضغط وتشديد الرقابة على بنات جنسها، أو امرأة تريد التفلت من الاحتشام في الملبس والمظهر والحديث والتصرف بدعوى التحرر والمطالبة بالحقوق والمساواة. المرأة الوسط، كما هي موجودة في الكثير من المجتمعات الإسلامية والعربية، أي تلك المرأة التي لا تحجب وجهها بالضرورة ولكنها تستر وجهها وجسمها فلا ترفع الأكمام عمداً عن ذراعيها إلى ما فوق المرفق في أسواق المجوهرات والعطورات ولا يبدو نصف صدرها مكشوفاً بمجرد أن تخلع العباءة في المستشفى أو الطائرة، ولا يلاحظ الناس في عيونها مهما كان وجهها صبوحاً وجميلاً سوى نظرات الاعتزاز بالنفس والإيحاء القطعي بواجب الالتزام بحدود الأدب. هذا النوع من المرأة الوسط لا يبدو أنه واسع الانتشار عندنا بعد لأن الظروف المحلية تجعل للمرأة أكثر من وجه، ربما وجهين أو ثلاثة أو أكثر. المرأة عندنا (والرجل كذلك ولكن بدرجة أقل بسبب هامش الحرية) تتبع مبدأ لكل حالة لبوس، فهي في مجتمعها العائلي الخاص المحافظ غيرها في حفلات الأعراس واستعراض المفاتن والأزياء، وهي في حضورها المحلي كامرأة غيرها في بيروت أو دبي أو لندن. لا يقولن أحدكم هذا غير صحيح، لأن هذا هو واقع الحال، فالمرأة الوسط كما الحال في تركيا أو سوريا أو ماليزيا أو مصر أو باكستان على سبيل المثال غير متوفرة بعد بالأعداد الكافية محلياً. اختصاراً لاستعراض مصادر الإزعاج عند الحديث عن وضع المرأة السعودية أود فقط أن أذكر بما يسببه وضع المرأة المغلوط مالياً واجتماعيا وحقوقياً للمملكة العربية السعودية من تصنيف إنساني وحضاري لا تحسد عليه. إذا قلت في أي مجتمع، وحتى في المجتمعات الإسلامية أنك من مواطني السعودية يقفز فوراً إلى ذهن السامع (وربما يستفزك لهذا السبب) إلى أنك قادم من هناك حيث يتزوج الرجل ويطلق على هواه ويمارس الدخول بالقاصرات والأطفال الإناث بعقود زواج شرعية، ويستطيع أن يتزوج أربعاً في ليلة واحدة ويطلق أربعاً في ليلة واحدة أيضاً، وأن القانون في صفه على طول الخط وأنهم هناك في صحاريهم لا يتعاملون مع المرأة ككائن إنساني له حقوق ثابتة ومثبتة في كتابهم المقدس، لأنهم لا يطبقونها مهما زعموا ذلك. من هنا أتى عنوان هذه المقالة، فوضع المرأة في مسيرة التنمية السعودية يشبه الرجل العرجاء في جسد الإنسان الذي يحاول السباق مع آخرين يركضون بأرجل سليمة.