لماذا اختارها هي دون كل اللائي خرجن من المدرسة؟ كانت المسافة من البيت الذي تعيش فيه مع أمها وجِدّتها قصيرة جداً، والشارع ضيّق في حارة أكل عليها الدهر وشرب دون أن يرمي نفاياته خارجها؛ فهذه البيوت الطينية التي تحكي حال ساكنيها، وهؤلاء الأطفال ذوو البشرة السمراء يلعبون في طرقات الحي غير آبهين بمصاعب الحياة وفي أعينهم الرضا والسرور، كانت شوارع الحارة ضيقة جداً فكيف استطاع ذلك الرجل أن يقف بسيارته الفارهة في هذا الشارع؟ أحقا كانت سيارة؟ أم قصراً متحركاً؟ هكذا تساءلت.. ما هذه الروائح العطرة التي تملؤها؟ لماذا هم فقط يستطيعون رؤية الناس في الخارج بينما لا أحد يستطيع أن يعرف من بداخل هذه السيارة؟ ((سم))، ((أبشر))، ((طال عمرك))، هي كل المفردات التي استطاعت أن تميزها وهي غارقة في بكائها، أسئلة تدور في رأسها كدوران مقود السيارة الذي يتحكم به هذا السائق الضخم ماذا يريدون مني؟ من هؤلاء؟ كيف هي أمي الآن؟ هل تبحث عني؟ بصوت مرتفع سألت ماذا تريدون مني؟ من أنتم؟ وقع نظرها على ذلك الرجل الذي يجلس بجوارها في الخلف، ذلك الذي يدعونه ((بطويل العمر)) تذكرت أنها سبق أن رأته حينما أرادت والدتها تسجيلها في الصف الأول الابتدائي، كانت والدتها ترجوه أن يعطيها بطاقة العائلة.. عادت تتساءل ماذا يريد مني هذا الرجل؟!! تذكرت أنه أغضب أمها، وأن أمها أمضت تلك الليلة وهي تبكي.. ابتعدت عنه قدر استطاعتها للجانب الأيسر من السيارة، تساءلت لماذا كل شيء مختلف هنا..؟ الروائح، أصوات الرجال، حتى البنت لأبيها هذه العبارة التي يرددها هذا الوحش الذي يجلس بجانبها تختلف عما رددته أمها على مسامعها، كانت أمها تكرر عليها يومياً «أنا أمك وأبوك.. أنا كل شيء»، وكثيرا ما تخرج لها ورقة صفراء تعلوها صورة ميزان ذي كفتين، وتقول لها اقرئي اسمك في هذه الورقة ((حكمنا أن تكون حضانة البنت أمل لأمها)). وصلت بهم السيارة إلى مكان فتحت أبوابه بمجرد سماع صوت منبه السيارة، نزفت أسئلة من هذا الرجل.. وما هذا المكان؟ وإلى أين يأخذني هذا الرجل؟ ومن هؤلاء النسوة الآسيويات؟ ولماذا يملأن المكان؟ وكيف يكون هؤلاء الصغار ذوو العيون الزرقاء إخوتي؟ كما ذكر هذا الوحش، ولماذا يطلب مني أن أسلم عليهم؟ ولماذا عبست تلك الشقراء التي يقول إنها زوجته حينما رأتني؟ وإلى أي مكان ستأخذني كما أمرها ذلك الوحش؟ وما الذي يريدني أن أتعلمه منها؟ وماذا يقصد ب(الإتيكيت)؟ هذه المفردة الوحيدة من مجموع مفردات غير عربية يرددونها هي تحديداً التي حفظت ولم أعرف معناها.. رددوها كثيراً حتى في محولاتهم لثنيي عن البكاء، كانوا يرددون هذا ليس من الإتيكيت.. والإيتيكيت كذا وكذا وووووو طلبت الشقراء من الآسيوية أن تأخذها إلى غرفتها.. بكت بشدة ورفضت، نهرتها.. لماذا لا تذهبين؟ ثم إن أمك تعرف أنك عند والدك، هذا منزل والدك، صعقت من هذه المفردة، تساءلت هل هذا صحيح؟ هل هذا الوحش هو والدي؟ وماذا يريد مني؟ رفعت صوتها: أنا لا أريد البقاء هنا، ثم أنا ليس لي أب. طلبت منهم أن يغادروا المكان ويتركوها، خرجوا جميعهم عدا الآسيوية (سودرتي) هي الأولى في المنزل تأمر وتنهى بعد الشقراء، جلست تتحدث معها، حدثتها أمل عن أمها، عن مدرستها، صديقاتها، بيتهم المقابل للمدرسة الذي تنتظر أمها أجرته من أهل الخير كما تقول، لم تكن أمها تستمع لكل ما تقله نساء الحي اللائي يجتمعن عند جدتها بعد صلاة العصر، كانت النسوة يكثرن من ترديد عبارات تكرهها أمها (ما يعرف بنته)، (ما يصرف عليها)، (تزوج هالأجنبية) (فلوسه وعمايره ومصانعه في كل مكان) (يستخسر في بنته خمسمائة ريال) لم تكن تستمع إليهن وعبارة وحيدة كانت ترددها (أهم شيء يخلي لي بنيتي).. طلبت من (سودرتي) أن تعيرها الهاتف النقال لتتصل بأمها، فعلت (سودرتي) ما تريد أمل رغم التأكيد على الجميع بعدم تمكينها من استخدام الهاتف، بدأت بالضغط على الأرقام، أطلقت تنهيدة وأحست بطول الوقت بين الجرس والاستجابة، تحدث نفسها ماذا ستقول لأمها؟ وبينما هي كذلك جاءها صوت أمها: «ألو ألو» أجابتها أمل: «ألو أمي أنا أمل»، ردت أمها «ابنتي أمل كيف حالك؟» وقبل أن تكمل أمها قالت «أنا هنا يا أمي يقولون إنك تعرفين أنني عندهم» عندها قاطعتها أمها بصوت تخالطه حشرجة «أنت عند والدك الآن، فالآن عمرك خمس عشرة سنة، والبنت لأبيها». صمتت أمل ثم نطقت «ولكن أين الورقة الصفراء يا أمي؟». بقلم الطالبة: سارة بنت حسين محمد - الثانوية (47)