اختتمت قبل شهر ونصف جلسات ندوة الأمن والمجتمع (6) والتي نظمتها مشكورة كلية الملك فهد الأمنية بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم، وقد حضرت بعضًا منها والتي كانت في مجملها تدور حول أثر التربية في تحقيق الأمن الفكري، وبدا لي أن عناوين تلك الجلسات صيغت بعناية فائقة وددت حينها لو سلط الضوء على جانب مهم من جوانب التربية وهو الجانب الوجداني، الذي إذا ما عددنا جوانب التربية الثلاثة العقلي والبدني والوجداني، فإنه - أي الوجداني - يأتي في مقدمتها وأكثرها خطورة؛ نظرًا للتداعيات والآثار التي تنشأ عن إهماله. فالوجدان والفكر مثلاً يتفاعلان بشكل دائم وتظهر المعالجة على شكل سلوك يدل بوضوح على الصحة الوجدانية أو علتها والنضج العقلي أو ضعفه، لهذا أو ذاك، فيقال عن شخص ما إنه معتدل الفكر وسوي الفطرة نظرًا لاعتدال مزاجه وصحة وجدانه باتزان انفعالاته، وينعكس كل ذلك على اعتقاده وفكره، أما أولئك الذين يستميتون من أجل التظاهر بالقيم فسرعان ما يكشفون عوارهم الوجداني وخوائه من تلك القيم عند أي محك حقيقي تستفز فيه تلك القيم. حينها يظهر سلوك مناقض لتلك القيم تبدو بعض ملامحه في التطرف بالتعبير عن القناعات الشخصية أو الدفاع عنها بالتهجم على الآخرين وازدراء مواقفهم ومصادرتها أو عدم القبول بالحلول الوسطية وعدم التنازل عن المواقف الشخصية عند اللزوم.. أعود لعنوان المقال: (التربية الوجدانية والممارسات الإرهابية) لأشير أن بعض الكتاب أسرف في الربط بين الفكر المتطرف وممارساته متناسين أن الفكر المتطرف وإن كان له ارتباط قوي بالممارسات العامة ومنها الإرهابية، فإن الفكر أو المعرفة المغلوطة ما كان لها أن تؤثر في السلوك لولا الطبيعة الوجدانية المنغلقة على الذات والجماعة الفكرية التي ينتمي لها الشخص المتطرف، والتي جاء بعض ملامحها في الأسطر الفائتة. والمتابع لأدبيات الفكر المتطرف والمقابلات التي تمت في التلفزيون السعودي سابقًا مع بعض المنتسبين لذلك الفكر يجد أن المحرك الأقوى للممارسات الإرهابية ليس الفكر وحده فقط، بل هي الطبيعة الوجدانية المنكفئة على ذاتها والساخطة على المجتمع وأنظمته.. يرافق ذلك شحن عاطفي هائل وتغذية وجدانية كبيرة يقدمها قادة الفكر المتطرف ومنظروه للبسطاء من الشباب. لذا ففي المجال التربوي قدمت دراسات علمية نوهت إلى أهمية التربية الوجدانية وضرورة تضمينها المنهج المدرسي من جهة وتكاملها مع الجوانب العقلية والبدنية من جهة أخرى، ويتحقق ذلك بما يعبر عنه المتخصصون في علم المناهج بمصفوفة المدى والتتابع. ويمكن من خلالها التأكيد على عدد من المضامين التربوية كتنمية الذكاء العاطفي والاجتماعي عبر تعريف الطالب بكيفية الاتصال بالآخرين وفهم مشاعرهم واحترامها، وكيف ينظم مشاعره تجاههم، وتدريبه على تحمل مسؤولية أفعاله، وتقبل النقد وكيفية تقديمه، وكيف يعتز بنفسه دون التعدي على الآخرين. وأعتقد أن تشجيع أبنائنا الطلاب على التفكير الإبداعي مع استخدام طرق التدريس المناسبة كطريقة حل المشكلات وطريقة تدريب الأقران سوف تسهم بإذن الله تعالى في تكامل شخصياتهم ونموها جنبا إلى جنب بشكل متوازن. ولأهمية هذا الجانب أي جانب التربية الوجدانية في نمو الشخصية السوية فإني أقدم اقتراحًا عبر هذا المقال لسعادة اللواء الدكتور فهد الشعلان مدير عام كلية الملك فهد الأمنية لأن يكون عنوان ندوة المجتمع والأمن القادمة في نسختها السابعة عن (التربية الوجدانية والممارسات الإرهابية) وفيها يستكتب متخصصون في العلوم الأمنية والنفسية والاجتماعية والتربوية لإثراء هذا الموضوع بالآراء العلمية والتجارب الميدانية. ودمتم ودام وطننا وقيادتنا الغالية بأمن وحب وسلام.. - أكاديمي في جامعة الملك فيصل [email protected]