أعرف أن الحديث عن رجل كبير بقامة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، يحفظه الله، مهمة جدًا صعبة، إن لم تكن حقاً مستحيلة، فهو فينا بمنزلة القلب من الجسد.. يؤكد هذا تلك المشاعر الصادقة والعواطف الجياشة التي فاضت بها قلوب المواطنين بكل فئاتهم على امتداد ربوع بلادنا الحبيبة، من أدناها إلى أقصاها، خلال العارض الصحي الذي تعرض له، منذ صدور بيان الديوان الملكي يوم الجمعة (6-12-1431ه) حتى عودته الميمونة إلى أرض الوطن يوم الأربعاء (20-3-1432ه) الذي أكد فيه، يحفظه الله، على ضرورة إطلاع المواطنين على حقيقة مرضه بكل صدق وشفافية، لأنه رجل شديد الإيمان بربه، يدرك أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه. كما يدرك أنه من حق مواطنيه عليه معرفة وضعه الصحي ومتابعة حالته أولاً بأول، ولهذا وجه بتمليك المواطنين الحقائق كما هي. فيومئذٍ خفقت القلوب إشفاقاً عليه، ورفع الجميع أكف الضراعة إلى الله سبحانه وتعالى أن يعجِّل شفاءه ويمنّ عليه بالصحة والعافية. ثم كان يوم عيد الأضحى المبارك (10-12-1431ه) فتوافد المواطنون إلى قصره العامر للسلام عليه والاطمئنان على صحته وتهنئته بالعيد المبارك، كما هي العادة دائماً.. فجاءوا إليه وقلوبهم وجلة، فاستقبلهم بأريحيته المعهودة، وبساطته المألوفة، وقلبه الحاني الكبير، وشفقته عليهم، وانشغاله بهم، وحبه الصادق لهم.. جاؤوه ليطمئنوا عليه، غير أنهم وجدوه هو المشغول بالاطمئنان عليهم، فخاطبهم بكلمات صادقة، نابعة من الأعماق، كعادته دائماً: دام أنكم بخير.. أنا بخير. انظر أيها القارئ الكريم لهذا الرجل العطوف، صاحب القلب الكبير، المسكون بهموم شعبه. لم يقل: أنا بخير.. دام إنكم بخير. بل اشترط لصحته وعافيته أن يكون مواطنوه بخير أولاً، وبعد ذلك لا يهم شيء مما أصابه من ألم. ثم أردف معتذراً لزائريه: أرجوكم سامحوني لأنني ما قمت صافحتكم، وشكراً لكم. ولهذا، وغيره كثير، لم يكن غريباً أبداً أن تسبقه دعوات شعبه في شرقي البلاد وغربها، شمالها وجنوبها إلى أمريكا يوم غادرنا متجهاً إليها في (16-12-1431ه) لإكمال الفحوص الطبية ومتابعة العلاج بناءً على توجيه الفريق الطبي السعودي. وفي يوم الأربعاء (18-12-1431ه) دخلت دعواتنا وابتهالاتنا إلى الله العلي القدير، غرفة العمليات مع مليكنا المفدى، تحفه عناية الله ورعايته. ولم تكن الفرحة تسعنا ساعة زفّ إلينا الديوان الملكي خبر نجاح العملية التي تم فيها سحب التجمع الدموي وتعديل الانزلاق الغضروفي وتثبيت الفقرة المصابة. وإثر مغادرته، يحفظه الله، مستشفى بريسبيتريان يوم الثلاثاء (15-1-1432ه) بعد أن منّ الله عليه بالصحة والعافية، شعرنا أن روحنا قد عادت إلينا من جديد. ولم تنقطع دعواتنا وابتهالاتنا إلى المولى عزّ وجل أن يعافي مليكنا ويشفيه، ويسبغ عليه ثوب الصحة والعافية حتى عودته إلينا ظهر الأربعاء (20-3-1432ه) سالماً معافىً بعد تلك الرحلة العلاجية التي اضطرته للغياب عنّا ثلاثة أشهر بالتمام والكمال، كنا نراها دهراً. وسوف نظل دائماً نرفع أكف الضراعة إلى الواحد الأحد أن يديم عليه الصحة والعافية ويمد في أجله ليواصل عطاءاته الخيِّرة لوطنه وخدمته لمواطنيه وعنايته بعقيدته. أما لماذا يُكنّ السعوديون كل هذا الحب والتقدير والوفاء لمليكهم الغالي، الذي عبروا عنه من خلال تضرعهم لله العلي القدير أن يشفيه ويعيده إليهم سالماً معافىً، إضافة لمشاعر الفرح التي اجتاحت الجميع يوم عودته الميمونة، إذ أخذت كل مناطق المملكة ومحافظاتها ومدنها وقراها زخرفها وازينت بعلم المملكة وصور خادم الحرمين الشريفين، وانتشرت الجموع في الساحات والطرق الرئيسية، واحتشدت كل تلك الجموع الغفيرة في المطار وعلى جانبي الطريق حتى قصره العامر لاستقباله بأهازيج الفرح والسرور ودعوات الشكر والثناء للواحد الأحد، وأقيمت مسيرات احتفالية شعبية عفوية، انتظمت سائر أرجاء الوطن، في تظاهرة رائعة، وملحمة فريدة، احتفاءً بعودة الرجل الكبير، خادم الحرمين الشريفين، لم تكن بقرار سياسي أو أمر من قيادة عليا، بل هو مجرد اندفاع عفوي من أبناء هذه البلاد المخلصين الأوفياء، الذين قاتل آباؤهم وأجدادهم إلى جانب الملك عبدالعزيز لتأسيس هذا الكيان الغالي علينا جميعاً وتوحيده.. أما لماذا حدث ذلك كله، فأقول موجهاً حديثي لأولئك الذين تساءلوا عبر وسائل الإعلام الأجنبية الذين أدهشهم ما شاهدوه من تلاحم فريد لم يعرفوا له مثيلاً في العالم، وليس للسعوديين، لأنهم هم الذين صنعوا تلك اللوحة الرائعة التي سوف تظل نموذجاً فريداً في تاريخ التلاحم بين الشعوب وقياداتها.. أقول مخاطباً أولئك: لأنه ملك استثنائي، لم يجمع شعبه على شيء مثلما أجمع على حبه وتقديره واحترامه وطاعته في المنشط والمكره، لصدقه ووضوح رؤيته وقوة إيمانه بربه وصدق توكله عليه. وسوف أحاول هنا، ما وسعني الجهد، الإجابة عن هذا التساؤل من خلال قراءة سريعة في خطبه وكلماته وإنجازاته.. التمسك بالعقيدة الصافية النقية يقول - حفظه الله - في كلمته التي وجهها إلى المواطنين الكرام في (28-6-1426ه) إثر مبايعته بالحكم: (أعاهد الله ثم أعاهدكم أن اتخذ القرآن دستوراً والإسلام منهجاً، وأن يكون شغلي الشاغل إحقاق الحق وإرساء العدل وخدمة المواطنين كافة بلا تفرقة، ثم أتوجه إليكم طالباً منكم أن تشدوا أزري وأن تعينوني على حمل الأمانة وأن لا تبخلوا عليَّ بالنصح والدعاء). فمن يقرأ هذا ويتأمله، يدرك أنه يلخص مبدأ الرجل ودستوره في الحكم، ومدى حرصه على سعادة شعبه، والعدل بينهم، والعمل ليل نهار على خدمتهم. أجل.. أحب السعوديون مليكهم لأنه لا يرى للإنسان عزِّاً في غير الإسلام، عقيدة أهل هذه البلاد الصافية النقية، إذ يقول في كلمة وجهها إلى حجاج بيت الله الحرام في (11-12-1424ه): (لا عزة للمسلمين في هذه الدنيا، ولا فلاح لهم إلا بالتمسك بكتاب ربهم وسنة رسوله؛ والعض عليهما بالنواجذ، فذلك والله عز الدنيا والآخرة). ليس هذا فحسب، بل تجده شديد الفخر بهذه العقيدة الطاهرة، والشواهد على هذا لا تعد ولا تحصى، غير أنني أكتفي هنا بما جاء في كلمة له وجهها، يحفظه الله، لسفراء الدول العربية والإسلامية المعتمدين لدى بكين في (27-6-1419ه) عند زيارته للصين، عندما كان ولياً للعهد، إذ يقول مؤكداً في رد له على رئيس جمهورية الصين الذي قال لسموه الكريم إنه يحسد المملكة على البترول: (عندنا شيء أهم من البترول وأعز من البترول، هو بيت الله الحرام في مكةالمكرمة ومسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - في المدينةالمنورة.. هذه أعز عندنا من البترول وغير البترول. نعم، البترول وسيلة لكنه ليس غاية). وقت الملك عبدالله للعمل والبناء وإرساء السلام يحب السعوديون مليكهم؛ لأنه ينأى ببلادهم عن التدخل في شؤون الغير، احتراماً للمبادئ الإنسانية في تنظيم العلاقات الدولية، لاسيما علاقات حسن الجوار، مثلما يرفض بشكل قاطع تدخل الآخرين في شؤون بلاده، فالوقت عنده للعمل والبناء وإرساء السلام، وليس للفتن والمشاحنات وتبديد الثروات في أمور لا طائل منها، إذ يؤكد في الكلمة نفسها مع صحيفة الشرق الأوسط: (نحن في المملكة لم نتعود على التدخل في إدارة شأن وسيادة الآخرين، مثلما لا نسمح لأي كائن من كان أن يمارس على سيادة قرارنا الوطني أي شكل من أشكال السيطرة والتوجيه). ويؤكد أيضاً في حديث له لوكالة المغرب العربي للأنباء في (13-7-1415ه): (لا يمكن أن تعتدي المملكة على أرض أي من جيرانها أو على مصالح أية دولة جارة شقيقة لها، كما أنها لا تقبل أن تتعدى أية دولة على أراضيها أو يمس أحد مصالحها). أجل يا رعاكم الله.. يحب السعوديون مليكهم ويدعون الله ليل نهار أن يشفيه ويحفظه ويديم توفيقه لأنه محب لهم، حريص على مصالحهم، شديد الفخر والاعتزاز بهم وشديد التواضع، لا يرى نفسه أكثر من واحد بينهم، حريص على وحدتهم وتآلفهم وتعاونهم، وحياتهم كأنهم أسرة واحدة، يتوزع أفرادها في ربوع هذه المملكة الحبيبة الغالية. أنصتوا له يقول في تصريح لصحيفة المدينة في (20-3-1410ه)، عقب زيارة للاطمئنان على صحة الدبلوماسي السعودي عبدالرحمن الشريوي: (إننا نعيش أسرة واحدة وفي بيت واحد لا يفصل بيننا حاجز، إن المملكة العربية السعودية قيادة وحكومة وشعباً، تقف مع أبنائها وتساندهم وتأخذ بأيديهم في كل الظروف.. إننا في كل يوم نلمس صادق المواطنة ونبل الأمانة من أبناء هذه البلاد الذين نعتز ونفخر بمواقفهم الرجولية والبطولية). إذن ليس بدعاً أن يتدفق حب السعوديين تجاه مليكهم بهذا الشكل الذي لا يوجد له مثيل أبداً، لأنه يرى نفسه دائماً بين البسطاء، يتفقد شؤونهم، ويحرص على توفير احتياجهم والاستجابة لمطالبهم، طاهر النفس، رحب الصدر لا يعرف الكبر أو التعالي إلى قلبه سبيلاً.. أنصتوا له يتحدث إلى وكالة الأنباء السعودية (واس) في (18-8-1425ه) بمناسبة إعلان الميزانية: (لقد قمت قبل حوالي سنتين بزيارة تفقدية لبعض أحياء الرياض القديمة، وشاهدت بنفسي الأوضاع السكنية غير اللائقة التي يعيش في ظلها عدد من المواطنين الأعزاء، والصور التي رأيتها لم تبرح ذاكرتي، وأنا أدرك أن ما رأيته خلال تلك الزيارة هو مشهد يتكرر في مناطق أخرى من وطننا الغالي، والنية معقودة بإذن الله على تهيئة أسباب السكن الملائم المريح للمواطنين كافة بشكل تدريجي منتظم). لا يكتفي بما يشاهده ويراه بل يلتزم بالعمل يحب السعوديون مليكهم لأنه لا يكتفي بما يشاهده ويراه ويقوله، بل يلتزم بالعمل، فها هي مؤسسة الملك عبدالله بن عبد العزيز لوالديه للإسكان التنموي تعمل ليل نهار، بمتابعة حثيثة منه شخصياً، يحفظه الله، لتوفير المساكن الملائمة للفئات الأكثرب حاجة، من خلال تشييد مجمعات إسكانية في مختلف مناطق المملكة، ليس هذا فحسب، بل يحرص على تطوير مهارات المستفيدين منها وقدراتهم لتحسين أوضاعهم المعيشية، من خلال توفير كافة الخدمات الضرورية من تعليم وصحة، ومساعدة أصحاب المهن والحرف على إنشاء مشاريع صغيرة وتطويرها، ومحاولة توفير الدعم لنشاط المؤسسة من خلال عرض تجربتها في الإسكان التنموي محلياً وإقليمياً ودولياً، وتنمية مواردها. نعم.. يحب السعوديون مليكهم ويقدرونه ويحترمونه لأنه لاشيء يسعده مثل رؤية شعبه وهم يتوكلون على الله ويجدون السير في العمل للنهوض ببلادهم، فاسمعه، يحفظه الله، يتحدث عقب زيارته المنطقة الشرقية في (12-8-1423ه): (إن رؤية أهلي وقومي وأبنائي في المنطقة الشرقية، بل في كل مناطق المملكة وقد احتزم كل منهم بإرادة المتوكل على الله القادر المقتدر، وبسواعد لا تكل وعزم لا يمل، مصدر سعادتي وفرحي.. نعم، أقول ذلك لأنني واحد منكم، أفخر بمواطنتي واعتز بمشاركتي لكم، فما أنا إلا مواطن قبل كل شيء، فكلنا شركاء في الهدف والمصير، وعلى الشريك أن يعطي الشراكة حقها، وذلك يكمن في الكلمة الصادقة والعمل المخلص، فبناء الأمم مرهون بمفاهيم الوطنية بكل أشكالها وصورها). وضع المرأة في مكانتها اللائقة بها يحب السعوديون مليكهم؛ لأنه وضع المرأة في مكانتها اللائقة بها، وسعى جاهداً لإتاحة المجال لها للمساهمة في نهضة المجتمع وتطوره، وحفظ لها حقوقها، إذ يقول عنها مخاطباً بعض أعضاء الجمعية الوطنية لكتَّاب افتتاحيات الصحف الأمريكية في اللقاء الذي أشير إليه سابقاً: (لولا المرأة لما جئت أنا ولا أنتم، المرأة هي أمي وأختي وابنتي وزوجتي، وأنا منها وهي مني، وليس هناك أي إنسان يهضم حقوق المرأة، وبالأخص الإسلام الذي كرَّم المرأة، وكذلك الديانات السماوية الأخرى حفظت حقوق المرأة.. وتساهم المرأة الآن في تطوير الاقتصاد السعودي حيث تعمل في التجارة والبنوك وتمارس كل النشاطات الاقتصادية المناسبة لها). مؤكداً في تصريح له لصحيفة الوطن السعودية في (27-11-1426ه): (لا يمكن أن نتجاهل بأي حال من الأحوال دور المرأة السعودية ومشاركتها في مسؤولية النهضة التنموية التي تشهدها بلادنا، وفي خدمة دينها وبلادها وبناء الوطن باعتبارها نصف المجتمع. إننا نتطلع أن يكون للمرأة دور كبير بحيث لا يحكمنا في هذا المجال سوى ميزان الشرع بما يحقق مصلحة الأمة). وصحيح أن خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، ضنَّ براحته على نفسه من أجل خدمة مواطنيه ورفعة بلاده، غير أنه مع هذا كله لم ينس واجبه تجاه إخوته في العروبة والإسلام، لاسيما ما يتعلق بقضية فلسطين. والحق أن جهوده في هذا المجال عديدة، ولهذا سوف أكتفي ببعض مما أشار إليه في خطبه وكلماته عن أهمية التضامن العربي والإسلامي، إذ أكد أمام مجلس الشورى في (3-3-1427ه): (إننا نرتبط بأشقائنا العرب بروابط اللسان والتاريخ والمصير، وسوف نحرص دوماً على تبني قضاياهم العادلة، مدافعين عن حقوقهم المشروعة، خاصة حقوق أشقائنا الفلسطينيين، آملين أن يتمكن العرب بالعزيمة الصادقة من الخروج من ليل الفرقة إلى صبح الوفاق، فلا عزة في هذا العصر بلا قوة، ولا قوة بلا وحدة). فمثلما هو مسكون بهموم كل شعبه، نجده أيضاً حريصاً على وحدة أمته، منتهزاً كل مناسبة للتأكيد عليها، كما جاء في حديثه لدى استقباله ضيوف الحرس الوطني في الرياض في (19-1-1427ه): (إن التاريخ علمنا أن الأزمنة التي شهدت وحدة الأمة هي عصورها الذهبية المزدهرة، وأن مراحل الفرقة والشتات كانت عهود الضعف والهوان والخضوع لسيطرة الأعداء). ولهذا نفهم لماذا صرح في أول يوم للأزمة في مصر في الخامس والعشرين من يناير الماضي، عندما امتدت بعض الأيادي الشريرة للخراب والدمار وسفك الدماء: (لا مساومة على أمن مصر وسلامة شعبها). قال هذا دون تردد أو وجل، كما فعل جميع زعماء العالم، الذين فضلوا تفصيل تصريحاتهم وفق تطورات الأوضاع بما يخدم مصالحهم. قال هذا لأنه يدرك: (أن مصر كانت وما تزال وستبقى في غاية الأهمية بالنسبة للعروبة والعرب وبالنسبة للإسلام والمسلمين، فالعروبة تتكامل وتكتمل بمصر، ومصر لا تتكامل ولا تكتمل إلا بالعروبة والإسلام، وإن ما يربطنا بمصر ليس برباط مصلحة أو ظروف ولا حتى جوار، بل إنه وشيجة الأخوة الصادقة في الضراء قبل السراء) كما جاء في حديثه لصحيفة السياسة الكويتية أثناء انعقاد القمة الثامنة لقادة دول مجلس التعاون في (22-5-1408ه). ولم يغفل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز دور بلاده الإنساني والسياسي وتأثيرها الاقتصادي في العالم أجمع، إذ يؤكد في كلمته التي وجهها لحجاج بيت الله الحرام في (11-12-1424ه): (في الشأن الخارجي، تتبنى المملكة منهجاً مماثلاً يقوم على التواصل المثمر والتفاعل الإيجابي مع العالم الخارجي، وتربطها بالدول الإسلامية علاقة الأخوة في الإسلام، ومع سائر دول العالم المحبة للسلام، علاقات احترام متبادلة، قوامها المشاركة في قضايا الإنسانية وهمومها، حيث يعيش الجميع في كوكب واحد، وهي في علاقاتها، سواءً على الصعيد الثنائي أو الإقليمي أو العربي أو الإسلامي أو العالمي، عضو فعَّال يهدف إلى أن تتصف مشاركاته دائماً بالطابع الإسلامي). ولهذا ليس غريباً أن تتصدر المملكة العربية السعودية البلدان العربية الرئيسية المانحة للمساعدات خلال الفترة بين (1393 - 1430ه) (1973 - 2008م) بشهادة البنك الدولي، بواقع (173) مليار دولار بنسبة (63.6%) من مجمل المساعدات التراكمية العربية التي تقدر قيمتها ب (272) مليار دولار. الأمر الذي دفع وزير التنمية البريطاني (آلان دنكان) للاعتراف، خلال زيارته الأخيرة للرياض، مؤكداً أن بلادنا أكثر دول العالم كرماً في مساعدة الدول الفقيرة. إنجازات الحرس والجامعات والصحة والتعليم يحب السعوديون مليكهم لأنه شخصية فذة، يعجز المرء عن وصف سيرته المضيئة، وإنجازاته العظيمة، وجهوده الواسعة في العمل الخيري والإنساني. فهو لا يكتفي بالقول، بل يؤكد كل ما يقوله ويؤمن به بالعمل الدؤوب الجاد، وها هي إنجازاته اليوم يعجز عن حصرها العادون، ولهذا أجدني مضطراً أن أكتفي هنا بإشارة سريعة لبعضها، أذكرها دون ترتيب: فإليه يرجع الفضل، بعد الله، في بناء الحرس الوطني وتطويره منذ أن تسنم رئاسته في (1384ه) إلى أن سلَّم رايته اليوم لابنه الأكبر صاحب السمو الملكي الأمير متعب، فأصبح الحرس الوطني على ما هو عليه اليوم مفخرة لكل السعوديين. أما في مجال التعليم الذي هو عماد تطور المجتمعات ورقيها، فيكفي أن تعلم أن البلاد قد حققت نقلة نوعية في التعليم، فمن (32) مدرسة فقط في المساجد، أصبح لدينا اليوم بحمد الله وتوفيقه (32) جامعة منتشرة في جميع أرجاء المملكة، وقد حققت مراكز عالمية مهمة، وأقبل أبناؤنا على التعليم بشغف شديد، حتى صارت بلادنا الأولى عالمياً من حيث عدد الطلبة المبتعثين للدراسة في الخارج، الذي قفز من ثلاثة آلاف فقط، إلى مائة وعشرة آلاف طالب وطالبة. وحققت الخدمات الصحية في عهده الميمون أيضاً نقلة نوعية، إذ تم في عهده تشغيل (84) مشروعاً صحياً، ويجري العمل حالياً على تنفيذ (114) مشروعًا، إضافة ل (106) مشاريع معتمدة يجري طرحها حالياً لترسيتها، أما عدد مشاريع المراكز الصحية التي تقدم الخدمات الأولية فقد بلغ (1414) مشروعاً، وتم استحداث (450) مركزاً صحياً جديداً. وتبنت وزارة الصحة برامج مميزة للرقي بمستوى الخدمات الصحية التي تقدم للمواطن والمقيم على حد سواء كعلاقات المرضى، المراجعة السريرية، اعتماد المنشآت الصحية، الطب المنزلي وبرنامج إدارة الأسرة. مشاريع تنموية عملاقة وفي مجال الاقتصاد، ركز الملك عبدالله منذ بداية توليه الحكم على المشاريع العملاقة، إذ ما تزال حكومة بلاده تعكف على تنفيذ مشاريع هائلة على امتداد ربوع الوطن، لاسيما ما يخص القطاعات الاقتصادية التي تتمتع فيها البلاد بميزة نسبية، مثل الصناعات البتروكيماوية وصناعة الغاز والزيت ومشاريع البنية التحتية والطاقة التي تمثل نحو (55%) من التكلفة الإجمالية للمشاريع العملاقة في البلاد التي تقدر ب (283) مليار دولار. فضلاً عن المدن الاقتصادية والمالية العملاقة التي تناهز أعظم رصيفاتها في أمريكا وأوروبا. وقد أكد المراقبون الاقتصاديون أن التنوع في تحقيق التطورات الاقتصادية الجوهرية، يعد ميزة تفاعلية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، الذي أقر باقة من القرارات الاقتصادية الجريئة والمحورية، تمثل تحولات دراماتيكية في مسيرة الاقتصاد المحلي، لاسيما أن هذا التنوع كان بمثابة اليد العطوفة الحانية التي امتدت لتغطية نقص واضح أو نشاطات مرتبكة، وهكذا كانت بلسماً فعَّالاً لمشاكل الاقتصاد المحلي، الأمر الذي يؤكد ثبات دعائم اقتصادنا وعدم تأثره بموجة الكساد الاقتصادي التي تثقل كاهل العالم اليوم. الحوار الوطني وعلى صعيد آخر، ومن منطلق اهتمامه بمبدأ الحوار كأسلوب من أساليب الحكم، ووسيلة لتبادل الآراء مع كافة شرائح الشعب أو من يمثلونهم ويعبرون عن رأيهم، تبنى عندما كان ولياً للعهد، فكرة إنشاء مركز للحوار الوطني، فصدر أمر الملك فهد - يرحمه الله - في (24-5-1424ه) بإنشاء مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، الذي يعد اليوم منبراً شامخاً من منابر العمل الوطني المخلص. كما أعلن، يحفظه الله، في (13-8-1419ه) تبنيه مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله لرعاية الموهوبين، وزادها تشريفاً فترأسها بنفسه، حرصاً منه على تأهيل الأجيال وتسليحها بالعلم. ومن الإنجازات الخالدة التي تذكر لخادم الحرمين الشريفين فتشكر، إصدار نظام هيئة البيعة في (27-9-1427ه)، إيماناً منه أن أمن الشعوب وازدهار الأوطان لا يستمران إلا بثبات أنظمة الحكم فيها، وسهولة تداول السلطة وانتقالها، وهكذا أضاف نظاماً أساسياً آخر للأنظمة الأساسية الأربعة السابقة التي صدرت في عهد أخيه الفهد، يرحمه الله. نماذج للحب والمحبة وقفتان يجب أن أقف عليهما.. الأولى في زيارته، يحفظه الله، لمنطقة القصيم، لحظة جسد أبوته الصادقة ومحبته الشديدة لجميع أبناء هذا الشعب الكريم، في مشهد معبر ومؤثر، حينما لم يستطع تمالك نفسه، فذرفت عيناه الدمع الغالي وهو يصافح أبناء شهداء الواجب.. دمع الرحمة والرأفة والأبوة الحانية والإحساس بالمسؤولية. وقد شاهد الجميع تلك اللحظة عبر مختلف وسائل الإعلام. أما الوقفة الثانية، فعند زيارته إلى منطقة جازان، ولنستمع له يرويها بلسانه في حديثه لصحيفة الفايننشال تايمز في (4-4-1422ه)، إذ يقول: (كان عشرات الألوف من المواطنين يؤدون رقصة العرضة مدججين بكامل أسلحتهم كما تقتضي تقاليد الفروسية.. وقد شاركت كما هي عادتنا هؤلاء الفرسان رقصتهم وفرحتهم.. عند نهاية الحفل، سألني أحد السفراء الغربيين: كيف سمحت لنفسي أن أدخل وسط هؤلاء الرجال بدون أي حراسة.. فقلت له: إن ما يربطني بهؤلاء المواطنين يزيل عني كل شعور بالتوجس أو الرهبة، ثم إنني أؤمن إيماناً عميقاً أن أيّاً منّا لن يمضي لآخرته قبل حلول أجله، ويلخص هذا ماضي هذا الوطن وحاضره ومستقبله، وما يمثله من قيم إسلامية راسخة، ويجسد العلاقة الخاصة بين الشعب والعائلة المالكة). وقد سمعت هذه القصة في حينها من صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكةالمكرمة، الذي كان برفقته آنئذٍ، حكاها على التلفاز عند حديثه عن زيارة الخير الميمونة تلك، مؤكداً طبيعة التلاحم بين أبناء هذا البلد قيادة وشعباً، كما يردد خادم الحرمين الشريفين في كل لقاء يجمعه بالمواطنين: (فما نحن وأنتم إلا كيان واحد وأسرة واحدة تاريخاً وأسلوب حياة) ثم يعاهدنا: (أقول لكل مواطن ومواطنة: لقد عرفتكم خلال السنين كما عرفتموني، وقد كنتم على الدوام مخلصين صادقين أوفياء للعهد، وستجدوني، إن شاء الله، مخلصاً لديني ثم لوطني، صادقاً معكم، وفياً للعهد، وستجدوني معكم في السراء والضراء أخاً وأباً وصديقاً صادقاً، وسأكون في المسيرة الواحدة نرفع كلمة الإسلام ورفعة الوطن). لماذ لا نحب مليكنا..؟ فلماذا يا هؤلاء لا نحب مليكنا ونقدره ونكن له كل الوفاء والإخلاص، وقد أوقف حياته كلها لخدمتنا وراحتنا، حتى وهو على السرير الأبيض لم يتخل عن مسؤوليته تجاهنا، كما يشهد بذلك سيدي صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز، ولي العهد الأمين، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، إذ يؤكد: (كان الملك خلال مدة غيابه خارج الوطن، يتابع شؤون الدولة الداخلية والخارجية، ولم يغب لحظة عن متابعة أحوال المواطنين والاطمئنان عليهم والتوجيه الدائم بما يلبي احتياجاتهم ويحقق الخير لهم). ويؤكد هذا، تلك القرارات الملكية السامية الكريمة التي تزامنت مع عودته الميمونة لأرض الوطن، بل إن بعضها سبقه إلينا، ومازال البعض الآخر يترى بين الفينة والأخرى، وكلها تهدف لمساعدة المواطنين وتخفيف وطأة الحياة عنهم، وقد شمل خيرها جميع فئات المجتمع وشرائحه. لهذا كله، وغيره كثير مما يصعب ذكره في مساحة كهذه، نحب نحن السعوديين مليكنا، وندعو الله ليل نهار أن يحفظه من كل سوء، ويمتعه بالصحة والعافية، وقبل أن أختم، أود صادقاً تجديد دعوتي للإخوة المؤرخين والباحثين والصوصيولوجيين، أن يبحثوا في الجوانب الشخصية لهذا الرجل الكبير، ويدونوها لنا، لتكون نبراساً تهتدي به أجيالنا القادمة.. أعرفتم الآن لماذا نحب مليكنا وندين له بالطاعة والولاء؟!. مدير إدارة الثقافة والتعليم للقوات المسلحة