انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة الطرف والنكت القائمة على الأحداث السياسية والكوارث، تناقلتها رسائل الجوال والوسائط الإلكترونية وغيرها من وسائل الاتصال، ترى تقف الرغبة في الترفية عن النفس من ضغوط الحياة وراء تلك الظاهرة؟ أم الرغبة في إيصال رسائل مبطنة بروح ساخرة؟ وسيلة للترويح في البداية تحدثت باسمة الغانم قائلة: ما المانع أن ينفس كل منا عن نفسه في تلك الأحداث القاسية ولو بمزحة فقد يكون الإنسان حزينا لكنه يحاول أن يخرج عن حزنه بالطرف فليس من الضروري أن تكون «النكتة» تعني تبلد الإحساس من الظروف الحياتية وأنا بشكل عام أحب تبادل النكت في أي من الظروف. غير أسوياء أما سلوى الخالدي فتقول: لا أتوقع أن يكون ملقي الطرفة إنساناً سوياً فهو تماماً لا يعي الأحداث من حوله، فكيف يكون مسؤولا وشغله الشاغل كيف يصنع النكتة ويقولها في كل ظرف أو موقف؟ إيناس ذكرت: ليس من الضروري أن يكون صاحب النكتة إنسانا عديم المسؤولية وليس من الضروري أن يكون أهلاً للمسؤولية فلا مانع من المزاح وإطلاق النكت في حدود طالما أنها في طور شرعي ولا أرى مانعا أن أكون متفاعلة مع الأحداث الجارية وفي نفس الوقت أمزح فيما يمزح فيه الناس. وسيلة للتعبير وشاركنا رسام الكاريكاتير عبدالله صايل بالقول: في تصوري، لا يوجد ما هو أبلغ من السخرية لإيصال الشعور العام بالإحباط! ففيما يكتفي الكثيرون بالتعبير عن إحباطهم بالشكوى الكلامية المألوفة، يلجأ قلة مؤثرون من المبدعين إلى تسخير المشهد للفكاهة وإسقاطاتها. وهناك موهوبون كبار في هذا المجال، ولكنهم للأسف في الظل لأنهم يحبون تلقي الأثر على الناس ولا يحبذون الظهور، وهم صنّاع النكتة الاجتماعية والسياسية وغيرها، ونسميهم محلياً «العيّارين»، وهؤلاء مؤثرون جداً في المجتمعات التي تنتظر بشغف تعقيباتهم الساخرة على كل ما يجري، وقد أوجدت وسائل الاتصال الحديثة، فرصة ذهبية لهؤلاء لمشاركة غيرهم فيما يرون. أما عن الكاريكاتير، فهو فن ساخر في حيز إعلامي، أي أنه ظاهر للناس والشارع، ولذا يحاول صناعة مواكبة الحدث وتدوين رأيهم الشخصي حول ما يجري أو الانتقال لتدوين آراء القراء والمجتمع من حولهم بمشهد ساخر يحكي الكثير. وبهذا تتحقق المواكبة وتدوين الرأي عن مرحلة مهمة للشارع المحلي أو العربي عموماً. ويبقى الفرق بين الأول والثاني في هامش الحرية المتاح للرأي، فالأول هامشه رحب، وقد يصل للتجاوز، أما الكاريكاتير فيلتزم غالباً بمعايير مهنية وهامش طرح شديد التأطير. ولهذا، قد تتفوق النكتة أو «العيارة» على الكاريكاتير في كثير من الأحيان، ومنها حالة الإغراق في السخرية في وقت المحن والكوارث. لا يجوز الاستهزاء وفي السياق ذاته تحدث لنا الدكتور عبد الواحد المزروع بقوله: مما ابتليت به الأمة في هذه الأزمنة انتشار ظاهرة عدم الاكتراث واللامبالاة وعدم الاهتمام واعتبار الحياة لهوا وعبثاً وعدم التفكير وعدم النظر والتأمل في المآلات وعدم العناية بالواقع وعدم الشعور بالمسؤولية وعدم الإحساس بالآخرين، ونسيان الغاية من وجود الإنسان، وعدم التفكير بالقيمة الحقيقية للإنسان، وبالتكليف الشرعي الذي خلق الإنسان من أجله. ولذا فإن ما نراه اليوم في واقعنا المعاش من عدم عناية الكثير من الناس وعدم اهتمامهم بل واستخفافهم بما يجري ويحدث على أرض الواقع يعد من هذا الباب، وأسبابه هي ما أشرت له أعلاه، وهذا أمر خطير فإن الاستهتار واللامبالاة حري بحدوث الشر والضرر لمن وقع في الاستهتار، والواجب على المسلم الشعور والإحساس بمعاناة إخوانه فالمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، كما جاء في الحديث، وفي الحديث الآخر: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً. ولا شك في أن الشعور بالآخرين والإحساس بمعاناتهم ومشكلاتهم من الواجبات الشرعية وهو أمر جاء به الإسلام وقرره وذلك تنمية للشعور بالأخوة بين المسلمين، وتقوية للرابطة بينهم. وهو أمر مطلوب لتخفيف المصاب عن المتضرر، وإسهاما في تخفيف آلامه وتحملا لبعض همومه ومساعدة له في تطلعاته وآماله. وليس من المشروع ولا من الجائز اتخاذ مصاب الناس غرضا للتندر والتفكه والسخرية والاستهزاء، بل الواجب الاهتمام والحرص والعناية بهموم المسلمين والعمل على تخفيفها، وفي الحديث (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم) وكيف يفرح الإنسان أو يضحك أو يسخر بمصاب لأخيه وضرر على مسلم مثله، ألا يخشى أن يكون في نفس الموقف يوماً من الأيام، وأن يصيبه مثل ما أصاب أخيه، وما ذلك على الله بعزيز، والله تعالى قادر وبيده سبحانه أن يبدل حال المستهزئ بحال المستهزأ به وفي الحديث (لا تشمت بأخيك فيعافيه الله ويبتليك). فليحذر العاقل أن يفتح على نفسه باب شر وقد عافاه الله، وعليه أن يسأل الله السلامة والعافية له ولإخوانه المسلمين.