لامني البعض على خلو مفارقاتي من رصد ما يجري في مصر الشقيقة، بل إن البعض الآخر أصر عليّ أن أكتب دعماً لما يجري في ساحة التحرير في القاهرة ومدن أخرى مصرية، إلا أنني وبعد أن اختلط الحابل بالنابل في مفارقتي السابقة، مكثت أسبوعين لا أستقر على رأي فيما يتعلق بالأحداث في مصر العربية، فأصبح مع الثورة أو الانتفاضة أو الحراك سمِّه ما شئت، وأمسي مع النظام وبقائه واستمراره، ثم أصبح مع اتجاه وأمسي مع آخر. أقنعت نفسي بأن هذا طبيعي، فمَن أنا إذا ما قورنت بالولايات المتحدةالأمريكية ذات الإمكانيات الاستخبارية الهائلة، التي تغيرت مواقفها تجاه ما يحدث في مصر أكثر من مرة، فمع مسك العصا من النصف في البداية، إلى ضرورة تنحي مبارك احتراماً لإرادة الجماهير المصرية ثم إلى عدم تنحي مبارك خوفاً من انتقال السلطة إلى أعداء أمريكا وإسرائيل، ثم إلى انتقاد عمر سليمان لقوله إن مصر ليست مستعدة في الوقت الحاضر للديمقراطية، والتذبذب في التصريحات بين يوم وآخر من ضرورة انتقال فوري للسلطة وعبارات مثل «اليوم يعني أمس» إلى التريث لضمان انتقال السلطة بشكل سلمي. عذر أمريكا في ترددها هو الحفاظ على مصالحها وضمان استمرار الحفاظ عليها في أي نظام يحكم مصر، أما عذري فكان إنكاري الشديد لموقف نظام مبارك من المقاومة ومشاركته مع إسرائيل في حصار غزة حتى بعد العدوان عليها، وإبقائه على حالة الطوارئ طوال مدة حكمه، وفي المقابل تخوفي مما ستجره المطالبة بتنحي الرئيس وتنحيه فعلاً من فراغ في السلطة، وفوضى اجتماعية، وشلل اقتصادي، وهي الدولة التي يمثل الاستقرار فيها عصب الازدهار والتنمية. ما تقدم من عدم استقرار في الرأي حول مع مَن أكون، فضلاً عن الكم الهائل من الافتتاحيات والمقالات المحلية والإقليمية والدولية التي غصت بها الصحف التي تناولت أحداث مصر بالبحث والتحليل والتعليق مما لم أجد معه جديداً أضيفه في حينه، فضلاً عن أن غالبية الرأي العام قد أيد حراك الشعب العربي في مصر، وبالتالي فإن مناهضة هذا الرأي ولو جزئياً سيفسد على أقل تقدير العلاقة مع الرأي العام مما منعني من تناول الموضوع حتى الآن بانتظار ما ستؤول إليه الأمور واتضاح الرؤية رغم ما في ذلك من انتهازية وانهزامية. اليوم، الرؤية لم تتضح فلا الرئيس حسني مبارك تنحى، ولا المظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات قد توقفت بل هي تزيد وتتوسع أفقياً وشاقوليا، ولعبة شد الحبل بين النظام ومناوئيه تتجه إلى لي الذراع أو ربما كسر العظم، فالنظام لبّى جزئياً مطالب المحتجين فأقال الحكومة وأحال للمحاكمة عدداً من وزرائها وعيّن نائباً للرئيس وشكل ثلاث لجان لدراسة تعديل عدد من مواد الدستور، ودخل في حوار مع التيارات السياسية المختلفة والتحقيق في إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، والمتظاهرون بدلا من أن يقنعوا بهذه التنازلات التي لم تكن لتقدم لولا انتفاضتهم ويعودون إلى بيوتهم مرفوعو الرأس، أخذوا يشككون بتلك التنازلات وجديتها وجدولها الزمني، ويختصرون حراكهم في مطلب واحد يتعلق بشخص الرئيس. يبدو لي، أن هناك من ركب الموجة واختطف المسيرة ويقودها إلى صدام دامي، فالجيش الموجود في الشوارع المحايد حتى الآن لا أظنه يسمح باستمرار الفوضى مدة أطول مما كان، وشل الحياة اليومية، وتدهور الاقتصاد، فهو إما أن يمتثل لقرار طائش من السلطة فيحسم الأمر لصالحها بتلوين نهر النيل العظيم باللون الأحمر، أو ينقلب على السلطة وهو ما حذر عنه نائب الرئيس، وتدخل مصر وشعبها في نفق مظلم يسيطر عليه العسكر من جديد. حمى الله مصر «أرض الكنانة» وحمى شعبها «خير أجناد الأرض» من كل سوء.