تنحّى محمد حسني مبارك عن منصب الرئاسة في مصر نزولاً عند إلحاح المصريين «الثائرين» في الساحات و الشوارع. وتسليم الجيش السلطة هو أشبه بانقلاب هادئ وصامت يرمي الى منع انزلاق البلد نحو الفوضى. ومهّدت القوات المسلحة المصرية للانقلاب هذا معولة على الاحترام التقليدي الذي يكنه الشعب لها، وعلى موقفها الحيادي وإحجامها عن التصدي للمتظاهرين. وطمأن بيان «المجلس العسكري الأعلى للقوات المسلحة» المقتضب الولاياتالمتحدة والدولة العبرية، وأعلن التزام بلاده الاتفاقات الدولية. ويبدو الموقف الأميركي واضحاً، وهو أيّد رغبة الجماهير المصرية بالتغيير، ودعم سعيها الى الحرية والديموقراطية، طالباً من الجيش عدم مواجهة المتظاهرين بالسلاح. وإذا استثنينا الدول المؤيدة لرحيل حسني مبارك، وتشبيه المستشارة الألمانية أنغيلا مركل ما حصل في مصر ب «سقوط جدار برلين»، اتسمت مواقف دول أخرى بارزة بالحذر. فالاتحاد الأوروبي رأى أن ثمة صعوبة في انتقال المجتمع المصري الى الديموقراطية الحقيقية، وهذه ثمرة مسار تاريخي طويل لا ينجز بين ليلة وضحاها. والصين حذّرت من الفوضى السياسية في مصر وزعزعة استقرارها. ويرمي المجلس الأعلى للقوات المسلحة الى نقل السلطة الى الحكومة المدنية، والى التزام المبادئ الديموقراطية. وفي المرحلة الانتقالية تحل المؤسسات التمثيلية، وتلغى حال الطوارئ، وتعد انتخابات عامة ورئاسية. ولكن السؤال هل يستطيع الجيش مباشرة إصلاحات سياسية تذلّل المشكلات القائمة؟ وليس يسيراً إعادة بناء الدولة البيروقراطية المترهلة ومؤسساتها المتداعية. ويخشى أن يقتصر التغيير على عمليات إصلاح «تجميلية» شكلية فقط لا تمس جوهر النظام القائم ومؤسساته. ورئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة ووزير الدفاع، المشير حسين طنطاوي، ليس من مؤيدي الإصلاحات الاقتصادية والسياسية في مصر، وهو يعارض التغيير الذي يساهم في تقويض سلطة الحكومة المركزية، على قوله. وتفتقر مصر الى قوة سياسية راجحة تنظيمياً ومؤسساتياً خارج إطار النظام الحاكم. ومؤسسات المجتمع المدني ضعيفة. وثقافة العلاقات الأفقية بين القوة السياسية والاجتماعية، وهذه تعبّد الطريق أمام تقديم التنازلات المتبادلة والتوافق على حلول وسط، غائبة. وعليه، الانتخابات الديموقراطية الحرة هي خطوة على طريق تسليم السلطة إلى حركة الإخوان المسلمين. وهؤلاء يستجيبون أكثر من غيرهم لآمال الجماهير الفقيرة، وهي غالبية المصريين. وإذا استمرّت الأزمة، يرسي الجيش حكماً ديكتاتورياً معتمداً على هيبته الأخلاقية منقذ الأمة. ولكنه يفتقر الى خبرات تخوله إدارة البلد سياسياً. وأعلنت حركة الإخوان المسلمين الامتناع عن ترشيح ممثل لها إلى رئاسة الجمهورية. والخطوة هذه ترمي إلى عدم إثارة مخاوف القوى السياسية الأخرى وانتظار نتائج الانتخابات البرلمانية المقبلة. وإذا أدت الانتخابات إلى فوز كبير لهم، مضت الحركة هذه قدماً نحو استلام السلطة. وثمة احتمال أن تتكرر التجربة الجزائرية في مصر. ففي الجزائر، أدت الانتخابات الديموقراطية في 1991 الى فوز الإسلاميين بغالبية تتيح لهم تشكيل الحكومة. ولكن الجيش الجزائري تدخّل، وحال دون تسلمهم مقاليد الحكم. وأيد الغرب مسعى الجيش للحفاظ على المصالح الغربية وحماية مصادر الطاقة والفوسفات في الجزائر. ولكن الجيش المصري لا يستطيع الاعتماد على المساعدات الغربية. والرئيس المصري المقبل عاجز عن تذليل المشكلات الكبيرة. ومصيره قد يكون شبيهاً بمصير سلفه. خلاصة القول إن مصر مقبلة في السنوات الآتية على حرب أهلية دموية لم تنطفئ نارها الى الآن في الجزائر. وفي مثل الظروف هذه، يمكن القول إن الإسلاميين في مصر مرشحون لبلوغ السلطة في القريب العاجل أم المستقبل الآجل. ولا يسع المراقب سوى التكهن بمدى راديكالية سياساتهم. * صحافية، عن «فزغلياد» الروسية، 12/2/2011، إعداد علي ماجد