كيف ندرك أننا مجتمع يقاوم التغيير، أبملاحظة ظواهرنا الاجتماعية، أم بمساءلة ما وراءها من أسباب؟ هل بالانتباه إلى انفعالاتنا وتحليل ما يحركها من دوافعنا النفسية؟ أي من هذه الأسئلة وغيرها من الممكن أن يجيب استفهام الكيفية هذا الذي بنى عليه استفهام لماذا نقاوم التغيير غايته، والتفريق دائماً هنا بين غاية السؤال وهدفه، فالهدف هو معرفة أسباب المقاومة بينما الغاية هي إدراكنا كأفراد نعيش الثقافة الشفوية لنتائج المعرفة العلمية بأن المجتمعات في بعض أحوالها تقاوم التغيير. هل يمكن اعتبار المعنى السلبي الذي يرتبط بمعنى التغيير هو ارتباط معان عابر ولا يحمل دلالات ثابتة يمكن القياس عليها، أم أنه هذه الدلالات موجودة وتظهر على كل مصطلح جديد يسقط من معرفية الثقافة المكتوبة على أسماع المجتمع، فيتحول إلى شتيمة وانتقاص بانقطاع دلالي شبه تام عن معناه ومفهومه؟ فهل لجهل أصحاب الثقافة الشفوية بمعنى المصطلح هو ما يحيله إلى سباب لفظي بين الناس فقط، أم أن جدة هذه المصطلحات وما تحمله من مفاهيم وإشارات مختلفة هو ما يجعلها تنزل منزل الرفض مثلها مثل كل جديد، أليس في هذا دليل أيضاً على أن الجديد في اللغة من أشد ما يرفضه المجتمع فهو دلالة مقاومة أيضاً، وكيف يمكن لفت انتباه أفراد المجتمع إلى هذه الحالات الرافضة التي يعيشونها على مستويات عدة وتحفيزهم على رصد شيء منها وتقديم التفسيرات عنها، هل في مقاومة التغيير انعكاسات مباشرة في ظواهر اجتماعية تشكل شواهد مقنعة لأصحاب المعرفة الشفوية مثل حالة مقاومة تعليم البنات في لحظة حدوثها الأولى، وكيف ندير الاستفهامات حول مثل هذه الظواهر بشكل يحقق مغزى سؤال «كيف ندرك أننا مجتمع يقاوم التغيير» دون أن نستهلك هذه الظاهرة ونحن لا نحقق الغاية من السؤال الأساس «لماذا نقاوم»، واستهلاك الأمثلة كتعليم البنات ليس إلا خطأ في نوعية الاستفهامات التي طرحت حولها وعنها أكثر من كونه خطأ في تكرار الاستشهاد بها، ذلك لأن الاستفهامات التي تطرح حول الظاهرة تقوم أيضاً على افتراض خاطئ، هو وعي المجتمع بمراحله التاريخية السابقة وتسليمه بالدور الذي قام به في تشكيلها، أي ثمة استفهامات طرحت تفترض وعي الناس بأنهم مارسوا مقاومة ضد القرار، وضد التغيير بالمعنى الآخر، وهو تماماً ما يعييد التركيز إلى كيفية بناء الأسئلة وعلى أي الاستفهامات تقوم، ذلك لأن السؤال الذي يترك فراغاً في بنيته، سيملؤه أفراد المجتمع بمعرفتهم الشفوية، ومن ثم يجيبون عليه بالمعرفة نفسها، لأنهم أدركوه ضمن قالبهم الفكري، ولأنه كسؤال لم ينجح في الدخول إلى منطقة التفكير الشفوي متماسكاً وبالشكل الذي يحقق غايته، فأعيدت صياغته تبعاً للتفكير نفسه الرافض للتغيير والذي لا يدرك مقاومته. والسؤال الاجتماعي الذي يريد أن يخلق وعياً جديداً، عليه أن يختار الطريق أولاً الذي يوصل استفهامه وينقله من معرفة الثقافة المكتوبة إلى معرفة الثقافة الشفوية، تماماً كما عليه لينجح أن يعرف كيف يعيد صياغة السؤال الشفوي ليجيب عليه مكتوباً، والانتقال بين الثقافتين ليس في الحبر الذي يدون ما يقال، بل في القدرة على قراءة ما نقول قبل تدوينه، فكيف نقرأ ما نريد كتابته عند صياغة الأسئلة الاجتماعية؟ - الرياض [email protected]