الزيت في لهجة أهل الشام يطلق على الزيت النباتية والزيوت الحيوانية، والزيوت الأحفورية، ويطلق أيضاً على «الطلاء». عند دخولي إلى أحد المسارح في دمشق لمشاهدة مسرحية مما يسمى بمسرح الظل، فاجأني شخص عند المدخل صارخاً «إوعى الزيت»، واستمر هذا الشخص يصرخ في وجه كل داخل إلى المسرح بنفس العبارة إلى أن بدأ العرض المسرحي. فهمت من أحد الجالسين بجانبي أن هذا المنادي، إنما كان ينبه الداخلين إلى القاعة بضرورة ابتعادهم عن الجدار لتجنب تلوثهم بالطلاء الذي يجف بعد على جدار المسرح، تمتمت موافقاً ولو أني لم أقتنع بهذا التفسير لأن من الواضح أن الطلاء قديم وجاف ومتسخ ويحتاج من وجهة نظري إلى طلاء جديد. اتضح وأثناء عرض المسرحية أن مردد عبارة «إوعى الزيت» كان أحد أبطال المسرحية، وقصته كما رواها أنه عُين منذ عشرين عاماً لتنبيه الجمهور المراجعين لأحد المصالح الحكومية من الطلاء المطلي حديثاً، واستمر في وظيفته طوال تلك المدة مع أن الغرض الذي عُين من أجله لم يعد قائماً. الكل يعلم أن هناك وظائف وإدارات تستحدث للقيام بمهام معينة ومؤقتة في القطاعين العام والخاص، وهناك إدارات تتقلص أعمالها بعد إنشائها لسبب أو لآخر، وتقويم أداء هذه الإدارات بشكل دوري هو الكفيل بكشف واقعها واتخاذ قرار بإعادة هيكلتها أو إلغائها أو دمجها أو إحداث تناقل بين موظفيها. لقد لاحظت أثناء مراجعاتي لعدد من الدوائر الحكومية وشركات القطاع الخاص الكبيرة وجود ترهل في بعض الإدارات، وشكوى مريرة من نقص الموظفين في إدارات أخرى، بعض موظفي الإدارات يجتمعون صباحاً على مائدة تكفل لهم الخمول والنعاس، وبعض موظفي إدارات أخرى ليس لديهم الوقت من كثرة المراجعين لرشف الشاي. قرات منذ مدة أن إنتاجية الموظف السعودي بشكل عام لا تتجاوز ساعتين في اليوم، وشعرت أن هناك تحاملا على أولئك المتفانين في أعمالهم، وأن في هذا التقرير تعميما وتعتيما، فهو يعمم قلة الإنتاج على كل الموظفين السعوديين ويعتم على الأداء المتفاني لكثيرين، وتساءلت عن وسيلة للإنصاف. وجدت هذه الوسيلة بما هو معروف لدى المختصين في علم الإدارة، فلديهم ما يُعرف بالوصف الوظيفي الذي يتضمن واجبات ومسؤوليات أي موظف وشروط حصوله على تلك الوظيفة، ووجدت لديهم ما يُعرف بقياس الأداء لكل موظف الذي يؤسس عليه قرارات الترقية والمكافأة، وعلمت من مختص في علم الإدارة أن ذلك معروفاً وموجوداً في كثير من المصالح الحكومية والشركات، ولكن المشكلة تكمن في أن الشخص المناسب معين في المكان غير المناسب، وأن مقاييس الأداء عبثت بها المحسوبية وحرف الواو، ولا توجد في هذه المصالح إدارات للرقابة وتقويم تقاويم الأداء ذات صلاحيات تحد إن لم يكن بالإمكان القضاء على هذا السوس الذي ينخر الأداء وبالتالي الإنتاجية. واسمحوا لي أن أتساءل في نهاية هذه المفارقة، كم لدينا من الموظفين في القطاعين العام والخاص من أمثال موظف «إوعى الزيت»؟ ألم تكتشف حديثاً أن هناك أكثر من مائة ألف وظيفة شاغرة في القطاع الحكومي وحده وضعف هذا العدد أو يزيد من المسجلين على قوائم العاطلين يتحتاجون فقط إلى إعادة تأهيل لشغل هذه الوظائف!