يحتمل أنكِ تريدين أن تكسبي مالاً، ولا ضير في ذلك. لكن، آمل أنكِ تريدين أن تفعلي أكثر من مجرد كسب المال. آمل أنكِ تريدين القيام بأمور تسعدكِ. وحتى لو لم يكن كسب المال هو هدفكِ الرئيسي تذكري أن المال هو الوسيلة الأهم التي نسدد بها حساباتنا هذه الأيام. وإذا لم يكن لديكِ مال فسوف تكون الأمور أصعب عليك مما لو كان لديكِ بعض المال. يقول بعضهم: إنه يستطيع كسب المال بالكذب على الناس وخداعهم . وهم يستطيعون ذلك بالتأكيد، لكن الواقع أنكِ عندما تكذبين أو تخدعين، فإن ما تفعلينه سرقة. ذلك، لأن هدفكِ أهم من كسب المال، حيث تريدين أن تكسبي احترامكِ لذاتكِ. المال طريقة يستدل بها على مدى حسن صنيعكِ وهو ليس سوى احدى الطرق. والطريقة التي تشعرين بها تجاه نفسكِ هي النقطة الجوهرية. إذ ينبغي أن تكوني قادرة على كسب المال وخسارته دون أن تفقدي إحساسكِ بقيمتك. وتذكري أن هدفكِ هو كسب المال عن طريق القيام بأشياء نافعة وأنكِ تصنعين المال، لكن المال لا يصنعكِ. ومن ثم فعليك أن تجيبي بدقة وتأملي على مجموعة مهمة من التساؤلات منها: هل تعتقدين أن كسب المال هو جائزة القيام بأعمال يريدها الآخرون؟ أم تعتقدين أن تحقيق الربح هو أمر سيئ وجشع؟! هل ترين أن على الشعراء والعلماء أن يكسبوا المال مقابل ما يفعلونه من إسعاد ومساعدة للآخرين؟ أم ترين أن على الأشخاص المبدعين أن يخدموا المجتمع وألا ينتظروا مكافأة على ذلك؟! هل تعتقدين أن أفضل طريقة لكسب المال هي القيام بأعمال تحسنينها وتستمتعين بها؟ أم تعتقدين أنك ستضطرين دائماً للقيام بأشياء لا تحبينها كي تتمكني من الحصول على عمل وتكسبي المال؟! يقال: إن المال هو أصل كل شر. قد يكون الشخص الذي يحب المال فقط دون أن يهتم كيف يكسبه انسانا شريراً وقد يكون مجرماً. لكن النقود بحد ذاتها ليست شراً محضاً إنها نظام طور بطريقة سهلة لندفع بها ثمن أشياء كثيرة بدل أن نقايض بها أشياء أخرى مباشرة، فالنقود هي مجرد مقياس لمدى النجاح في تلبية حاجات الناس ورغباتهم. وبهذاالمعنى يمكنكِ حتى أن تقولي أن النقود أصل الكثير من الأمور الجيدة. حين تنظرين هذه الأيام الى الناس الأغنياء الذين كسبوا كل هذا المال بجهدهم، فقد تجدين أن هناك شيئا واحداً مشتركاً بينهم فهم لم يعملوا لمجرد جمع المال. لم تكن النقود هي حبهم بل كان نوع من العمل أو النشاط هو ما أحبوه. وحين اتقنوا هذا العمل جيدا، وحين كافأهم أناس كثيرون على عملهم بأن اشتروا ما كانوا يبيعون أصبحوا أغنياء، وأصبح الزبائن سعداء. إن هناك طريقة ومنهجاً يمكنكِ بواسطتهما تحويل الرغبات والتوق الى الثراء الى مال وذهب تتمثل في ست خطوات عملية محددة: أولاً: ثبتي في ذهنكِ الكمية المحددة من المال التي ترغبين فيها. ثانياً: حددي بالضبط ما تنوين أن تقدميه مقابل المال الذي ترغبين فيه، إذ لا يوجد في الواقع شيء مقابل لا شيء. ثالثاً: حددي تاريخاً وموعداً معيناً تنوين فيه حيازة وامتلاك المال الذي ترغبين فيه. رابعاً: ارسمي خطة محددة لتنفيذ رغبتكِ، وابدئي فوراً في العمل سواء كنتِ جاهزة أم لا وذلك لوضع الخطة موضع التنفيذ. خامساً: اكتبي بياناً واضحاً ومختصراً بكمية المال الذي تنوين الحصول عليه، واذكري فيه الحدود الزمنية أو المدة الزمنية المحددة لامتلاكه، واذكري ما تنوين تقديمه مقابل ذلك المال، وصفي بوضوح الخطة التي تنوين بواسطتها جمع ذلك المال. سادساً: اقرئي بيانكِ المكتوب بصوت عال مرتين في اليوم مرة حين ذهابك الى الفراش في الليل ومرة بعد نهوضك في الصباح، ومع قراءتك صدقي نفسك ممتلكة ذلك المال حقاً. قد تجدين أنه من المستحيل أن تتصوري نفسك ممتلكة المال قبل أن تحوزي عليه حقاً، وهنا تأتي الرغبة المشتعلة لمساعدتك في تحقيق هدفك. وقد تبدو الخطوات المذكورة الست غير عملية وغير قابلة للتطبيق بالنسبة الى أولئك الذين لم يلقِّنوا المبادىء الأولية والذين لم يدرسوا أو يتعلموا مبادىء عمل العقل البشري. ولكن، قد يكون من المفيد لكل أولئك الذين يخفقون في إدراك سلامة وصحة الخطوات الست أن يعرفوا أن المعلومات التي تبديها تلك الخطوات مستمدة من رجال ناجحين، بدأوا حياتهم كعمال عاديين ولكن تمكنوا رغم تلك البداية المتواضعة من جعل مبادىء تلك الخطوات تدر عليهم ثروة لا تقل عن 100 مليون دولار. والحقيقة، فإن تلك الخطوات لا تدعو الى عمل شاق أو الى أي تضحية، ولا تطلب من حاملها أن يبدو سخيفاً أو يصبح موضع سخرية وساذجاً.، ولا يدعو تطبيقها الى كثير من الشهادات العلمية والعلم المدرسي. بيد أنه لابد من الاعتراف بأن جمع المال لا يترك للصدفة والحظ، بل ينبغي أن يدرك أن كل أولئك الذين جمعوا ثروات كبيرة بدأوا بشيء من التمني والرغبة والتوق والتخطيط قبل أن يحصلوا على المال الذي يريدونه. ولذلك وفي اطار تخطيط كيفية امتلاك نصيبك من الثروات لا تدعي أحداً يسخر من أحلامك، إذا كان الشيء الذي تتمنين فعله صحيحاً. وهكذا، فإن العالم مليء بالفرص الجديدة التي لم يعرفها حتى الحالمون القدماء. لكن، ينبغي أن تدركي أن هناك من يرهق نفسه ويبذل عمره وصحته وسعادته من أجل جمع المال بشتى الطرق حتى إذا ما اكتملت لديه أسباب السعادة رحل عن دنياه تاركا ما جناه لمن لم يشق للحظة ولم يعرف للفقر شكلا ولا معنى، وتنتقل الثروة من يد الى يد، فما تجتمع إلا لتتفرق وما تتفرق إلا لتتجمع. بنفس تسلسل الأحداث أخذت ثروة أوناسيس الشهير تتنقل حتى رحلت ابنته المليارديرة اليونانية «كريستينا أوناسيس» وأصبحت وريثتها الوحيدة ابنتها «أثينا» البالغة من العمر ثلاث سنوات ونصف أغنى طفلة في العالم. ولكن، ما هو حجم الثروة التي تركتها كريستينا؟!! في عام 1975م وعندما توفي أرسطو طاليس أوناسيس والد كريستينا، كانت ثروته تقدر بملياري دولار وأسطول بحري مؤلف من أربع وخمسين ناقلة نفط، ووقتها حصلت كريستينا على 48% من الثروة. أما الثروة العقارية التي ورثتها كريستينا، فهي مؤلفة من: منزل كبير في شارع فوش في باريس وقصر في جنيف، ومنزل في برج أولمبيك في نيويورك وعمارة في لندن، وعمارة في مونت كارلو ومنزل في جزر البهاما، وجزيرة سكوربيوس.. إلخ. كل تلك الثروة الضخمة آلت بكاملها الى «أثينا» الطفلة بعد وفاة والدتها كريستينا. لقد رحلت كريستينا وتركت طفلتها الوحيدة تسبح في بحر من المال، وتغرق في بحر من الهموم. كانت كريستينا قد رزقت ب«أثينا» من رابع أزواجها الثري الفرنسي تيري روسيل، حيث لم تنجب من زيجاتها الثلاث السابقة، لذا كانت كريستينا تحب ابنتها الى درجة الجنون وكانت تنفق المبالغ الضخمة في سبيل اسعادها، يروى أنها كادت تطير من الفرح يوم أبلغها طبيبها الخاص بأنها حامل. وقبل شهر من موعد الولادة تم حجز خمس غرف في المستشفى الأمريكي في منطقة توييني في باريس لتكون جاهزة لاستقبال كريستينا في أي وقت. ووضعت كريستينا ابنتها في 29 فبراير 1985م بعملية قيصرية. وبعد ولادتها بأسبوع أهدتها والدتها يختاً يحمل اسمها «أثينا». وقبل أن تكمل أثينا شهرها الأول، كان قد تم تخصيص طابق كامل في كل المنازل التي تملكها كريستينا في مختلف أنحاء العالم لابنتها، وتم تغيير الأثاث وأعيد طلاء الجدران بما يناسب سن الطفلة وكلفت هذه العملية كريستينا عدة ملايين من الدولارات. وخصصت كريستينا لابنتها أربع مربيات، وكان طعام أثينا يكلف أمها مبالغ كبيرة، وملابس أثينا كلها من دار أزياء «ديور» الشهير حتى ملابس لعبها ودُماها. وتملك أثينا سيارة رولزرويس مصغرة بمحرك كهربائي، وتملك أثينا حديقة حيوانات مؤلفة من حيوانات صناعية، وفي آخر عيد ميلاد لها أهدتها أمها قطيع غنم مؤلف من مائة رأس. وأمام حياة البذخ التي عاشتها أثينا، فإنه ممنوع عليها أن تغادر منزلها للعب مع أصدقاء من سنها وذلك من أجل المحافظة على أمنها، حيث يتولى حراستها ليلا ونهارا، تسعة حراس، كانوا عسكريين في الجيش الانجليزي. صحيح أن أثينا سترث حين وفاة والدتها ثروة ضخمة، بل لقد أصبحت حينها أغنى طفلة في العالم، ولكنها فقدت في الوقت نفسه، أعز وأحن شخص عليها، أمها كريستينا. وربما كانت قد ورثت عنها منذ ذلك الزمن الهم، والقلق، والخوف، والبحث عن معنى السعادة. هذه حكاية والقصص والحكايات المشابهة كثيرة وكثيرة جدا، والنتيجة الوحيدة تؤكد أن الثراء والغنى ليس مصدراً وحيداً للسعادة. وفي القرآن الكريم ما يؤكد ذلك، فقد قال الله عزوجل في حق الكانزين للأموال والذهب:(والذين يكنزون الذهب والفضَّة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشِّرهم بعذاب أليم) الآية. وقال عزوجل في شأن أبي لهب:(يحسب أن ماله أخلده..) وفي آيه أخرى:(ما أغنى عنه ماله وما كسب) وقال عزوجل منبها على حقيقة المال:(اعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة، وأن الله عنده أجر عظيم). وقال جل شأنه فيمن ألهته التجارة:(وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها وتركوك قائماً). ويؤكد رسولنا صلى الله عليه وسلم ذلك حين حذر من عبدة الدينار والدرهم، يقول عليه الصلاة والسلام:(تعس عبد الدينار، تعس عبدالدرهم..». وأوصى عليه الصلاة والسلام أحد أصحابه الذي جاءه يرغب منه عليه الصلاة والسلام أن يدعو له بكثرة المال قال عليه الصلاة السلام له: «قليل يكفيك خير من كثير يطغيك». مصداقا لقوله تعالى:( ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصَّدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به..). وقد جلّى عليه الصلاة والسلام حقيقة المال حين قال صلى الله عليه وسلم:«يقول العبد مالي مالي، وإنما له من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى أو لبس فأبلى أو أعطى فأقنى، وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس». بل هو صلى الله عليه وسلم القائل:«لو كان عندي أحد ذهبا لأحببت ألا تأتي ثلاث وعندي منه دينار ليس شيئا أرصده في دين عليّ، أجد من يقبله». وهكذا نختتم بما هو خير، قول ربنا أصدق القائلين:(وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله اليك..) الآية. عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية