وداعا شهر الصيام، وداعا شهر الخير، وداعا شهر العطاء، وداعا وقد غنم فيك من أحسن التجارة، وداعا وقد فاز فيك من نال رضا الباري جلَّ وعلا، وداعا وقد ثاب الى رشده من ضل، وداعا وقد استزاد من استفاد، وداعا وقد امتلأت الأفئدة بالايمان، واطمأنت بحلاوته، وداعا وقد رفعت الأكف بالدعاء بطلب العون من الحي القيوم، وداعا شهر فيه ليلة خير من ألف شهر ودعته وبودي لو يودعني طيب الحياة وأنى لا أودعه ولا اخال ذا فطنة إلا وقد أدرك أن فعل الخير ليس مقصورا على شهر بعينه، وأن اجتناب الآثام واجب على المسلم في كل زمان ومكان، وليس كما قال الشاعر البهيمي: رمضان ولّى,,. مشتاقة تهفو إلى مشتاق وبعد هذا الشهر الكريم يحل عيد الفطر المبارك، وهو أحد عيدين خص الله المسلمين بهما، هما عيد الفطر وعيد الأضحى، وفي عيد الفطر فرض الله على المسلمين إخراج زكاة الفطر عن كل فرد من أفراد المجتمع الاسلامي لتصل من الأغنياء الى الفقراء حتى تعم البهجة والسرور المجتمع بأسره. وفي كل عيد يمرُّ على هذه البلاد نرفع الايدي الى الباري جل جلاله شاكرين حامدين له على نعمائه، ومتضرعين له بأن يديم علينا هذه النعمة العظيمة، نعمة الأمن والاستقرار والرخاء، بعيدا عن الفتن التي لا يكاد أن يمر عام إلا وقد ابتليت بها بعض بلاد المعمورة، ولو أن أبا الطيب بين ظهرانينا لأجبناه عن استفهامه في قوله: عيد بأية حال عدت يا عيد بما مضى أم لأمر فيك تجديد فماضينا والحمد الله ماضي سعد ورقي ونماء، وجديدنا سيكون بعون الله أسعد حالا وأرفع، ولذا فحالنا في عيدنا، حال يستوجب الشكر والثناء والمزيد من العطاء، ومن جعل الله نصب عينيه فلن يكون مآله مآل المعتمد بن عباد الذي يقول: فيما مضى كنت بالأعياد مسروراً فساءني العيد في أغمات مأسورا ترى بناتك في الأسبال بالية يغزلن للناس ما يملكن قطميرا يطأن في الطين والأقدام حافية كأنها لم تطأ مسكاً وكافورا قد كان دهرك إن تأمره ممتثلاً فردك الدهر منهياً ومأموراً وليس فينا ولله الحمد من يقول بقول الرصافي عن اليتيم: ألا ليت يوم العيد لا كان إنه يجدد للمحزون حزناً فيجزع يرينا سروراً بين حزن وإنما به الحزن جدُّ والسرور تصنع والعيد موسم محبة وتسامح، وصلة رحم، فكثير ممن شغلتهم دنياهم عن التواصل يجدون في العيد فرصة للقيام بما أوجبه الله، وفي العيد يتلمس الأغنياء أحوال الفقراء من ذويهم ليجودوا بما تطيب به نفوسهم. والعيد موسم للفرح والسرور، والبهجة والمتعة، فيه يفرح الأطفال ويمرحون، ويمارس الرجال والنساء على حد سواء ما يحلو لهم من المتع المباحة، وسيذهب عشاق الصحراء الى البراري والقفار، كما سيأنس هواة الحاسوب ببرامجهم، وسيعيش القراء بين طيات الكتب ليرشفوا من معينها الذي لا ينضب, أما أولئك الذين لا يملّون النوم، فستمضي أعيادهم وهم على الأسرّة الوثيرة في معزل عن عالمهم يغطون في نوم عميق، يقومون بعده ليأكلوا بعضا من الطعام ثم يعودون أدراجهم الى غرفهم ليشاهدوا التلفاز ومنها الى الأسرّة مرة أخرى وهكذا دواليك، فلا قيام بواجب، ولا فرح بعيد، ولا تواصل، وكأن العيد لديهم نوم وأكل وتلفاز.