المصري في كتابه:الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من تفسير ابن كثير وشروح أبي حامد الغزالي ما أحوجنا الى من يأمرنا بالمعروف وينهانا عن المنكر مهما كان مصدر هذا الأمر أو النهي، إن كان من متطوع او على يد محتسب، ولا يجب بحال ان يستنكف الانسان اذا كان من يقوم بأمره ونهيه دونه في المستوى المادي او الاجتماعي حتى لا يبوء بالخسران.. يقول تعالى: )وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد(.. وفي ذلك يقول ابن تيمية، جميع بني آدم لا بد لهم من طاعة آمر وناه، فمن لم يكن من اهل الكتب الإلهية ولا من أهل دين فإنهم يطيعون ملوكهم فيما يرون أنه يعود بمصالح دنياهم مصيبين تارة ومخطئين تارةً أخرى.. وإذا كان لا بد من طاعة آمر وناه فمعلوم ان دخول المرء في طاعة الله ورسوله خير له وذلك هو الواجب على جميع الخلق.. ولو كان المرء وحده لكان يأمر نفسه وينهاها إما بمعروف وإما بمنكر كما قال تعالى: )إن النفس لأمارة بالسوء( بهذه الكلمات بدأ )نشأت المصري( تقديم كتابه الموسوم ب )الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من تفسير ابن كثير وشروح أبي حامد الغزالي(. وقد بدأ المؤلف الكتاب بتوضيح المقصود من قوله تعالى: )ولتكن منكم أمة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون( مؤكدا ان معناها تكوين فرقة من الأمة متصدية لهذا الشأن، وإن كان ذلك واجبا على كل فرد من الأمة حسب استطاعته كما ثبت في صحيح مسلم )من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان(، ولذلك فإن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الأعظم في الدين الذي ابتعث الله له النبيين أجمعين. وشرح المؤلف وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تحت 18 عنوانا تناول فيها مدى وجوبه، ودور خير أمة، وموقف أهل الكتاب وصفات المؤمنين وإغفاله من دواعي اللعنة، ومخالطة العصاة، وأفضل الجهاد، ودرس من الماضي، والنهي عن الفساد والترف، والشهادة والعدل، والصدق، والإصلاح بين الناس، والإصلاح وقتال الباغين. أركان الأمر بالمعروف وشروطه ويتطرق الكتاب في بابه الثاني إلى أركان الأمر بالمعروف وشروطه حيث بينها بما يلي: أولا: الركن الأول: المحتسب )الآمر الناهي( وفي ذلك يقول تعالى: )أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون( فكيف يليق بكم يا معشر أهل الكتاب وأنتم تأمرون الناس بالبر، وهو جماع الخير ان تنسوا أنفسكم فلا تأتمرون بما تأمرون الناس به وأنتم مع ذلك تتلون الكتاب، وتعملون فيه على من قصر في أوامر الله؟ أفلا تعقلون ما أنتم صانعون بأنفسكم، فتنبهوا من رقدتكم، وتبصروا من عمايتكم. وقد ذم الله تعالى اليهود على هذا الصنيع ونبههم على خطئهم في حق أنفسهم، حيث كانوا يأمرون بالخير ولا يفعلونه، ثم يقدم المؤلف تعريف الغزالي للحسبة فيقول: )هي كلمة شاملة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولها أركان أربعة أولها المحتسب وللمحتسب شروط: أولها: التكليف، والثاني: الإيمان، والثالث: العدالة، الرابع: كون المحتسب مأذوناً من جهة الامام والوالي، والخامس: أن يكون المحتسب قادراً. ثم يتطرق المؤلف بعد ذلك الى الركن الثاني وهو المحتسب فيه وهو ما يتم عليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويعرف المؤلف ذلك الركن )بأنه هو كل منكر موجود في الحال ظاهر بغير تجسس معلوم كونه منكرا بغير اجتهاد( ومن هذا التعريف نلمس عدم التجسس كشرط رئيس من شروط المحتسب فيه حيث يقول تعالى: )ولا تجسسوا(.. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: )إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً( ثم يستعرض ما جاء في المحتسب فيه للغزالي وقد اشترط اربعة شروط لذلك: الشرط الأول: أن يكون منكرا، والثاني: أن يكون موجودا في الحال، أم الثالث: فأن يكون المنكر ظاهرا للمحتسب بغير تجسس، وأخيرا الرابع: أن يكون منكرا معلوما بغير اجتهاد فكل ما هو في محل الاجتهاد فلا حسبة. الركن الثالث: المحتسب عليه ثم يستعرض الكتاب الركن الثالث وهو المحتسب عليه )من المأمورين والمنهيين( وهم كثرة من الناس من الحكام والمحكومين يحتاجون الى الأمر والنهي ليرشدوا ويعودوا الى طريق الحق في شأن أو أكثر من شؤون حياتهم وعقيدتهم.. ويشترط الغزالي ان تكون بصفة يصير الفعل الممنوع منه في حقه منكرا وأقل ما يكفي في ذلك أن يكون إنساناً. الركن الرابع نفس الاحتساب يقول المؤلف في ذلك ان للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر درجات وآدابا: أولا: درجات الأمر والنهي: 1 التعرف: وهو يعني طلب المعرفة بجريان المنكر وذلك منهي عنه وهو التجسس. 2 التعريف: فإن المنكر قد يقدم عليه المقدم بجهله واذا عرف أنه منكر تركه. 3 النهي بالوعظ والنصح والتخويف بالله تعالى وذلك فيمن يقدم على الامر وهو عالم بكونه منكرا. 4 السب والتعنيف بالقول الغليظ والخشن وذلك يلجأ إليه عند العجز عن المنع باللطف. 5 التغيير باليد: كإراقة الخمر وخلع الحرير من رأسه وعن بدنه ونحو ذلك. 6 التهديد والتخويف: كقوله دع عنك هذا أو لأكسرن رأسك. 7 المنع بمباشرة القهر: فإذا انتهى المنكر ينبغي ان يكف عن القهر وعلى المحتسب أن يراعي التدريج بما يثير فتنة. 8 ألا يقدر عليه بنفسه. آداب المحتسب بعد ذلك يتطرق الكتاب إلى المحتسب ويستعرض في هذا الفصل الوصايا التي قالها لقمان الحكيم لابنه، وهي وصايا نافعة حكاها الله تعالى عن لقمان ليمتثلها الناس ويقتدوا بها.. فقوله )يا بني أقم الصلاة( أي أقم الصلاة بحدودها وفروضها وأوقاتها، )وأمر بالمعروف وانه عن المنكر( أي بحسب جهدك وطاقتك، )واصبر على ما أصابك( لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لابد أن يناله من الناس أذى فأمره بالصبر.. وقوله )إن ذلك من عزم الأمور( أي: إن الصبر على أذى الناس لمن عزم الأمور. فمجمل القول أن تكون الدعوة بكلام رقيق سهل، ليكون أوقع في النفوس وأبلغ وأنجح كما قال تعالى: )ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن( ويقول الإمام الغزالي إن جميع آداب المحتسب مصدرها ثلاث صفات في المحتسب وهي: العلم، والورع، وحسن الخلق. ويقول الحسن البصري: )إذا كنت ممن يأمرون بالمعروف فكن من آخذ الناس به وإلا هلكت.. وقد أوصى بعض السلف بنيه فقال: )إن أراد أحدكم أن يأمر بالمعروف فليوطن نفسه على الصبر وليثق بالثواب من الله فمن وثق بالثواب من الله لم يجد مساً من الأذى». المنكرات المألوفة في العادات يستعرض الكتاب في هذا الباب المنكرات المألوفة في عاداتنا وقد قسمها الى ستة منكرات: وهي منكرات المساجد، ومنكرات الأسواق، ومنكرات الشوارع، ومنكرات الحمامات، ومنكرات الضيافة، والمنكرات العامة. ثم قسم منكرات المساجد الى العجلة في الصلاة، وأخطاء القراءة، وتطويل الاذان، وبعض ثياب الخطيب، وبعض كلام الوعاظ. ثم قسم منكرات الأسواق الى الكذب في المرابحة، والشروط الفاسدة، وبيع الملاهي، والحيوانات المصورة. ثم يشير الى منكرات الشوارع وهي منكرات معتادة مثل وضع الاسطوانات وغرس الأشجار ووضع الخشب وأحمال الحبوب والأطعمة على الطرق فكل ذلك منكر إن كان يؤدي الى تضييق الطرق استضرار المارة. ثم يستعرض المؤلف منكرات الحمامات وهي وضع الصور على باب الحمام أو داخل الحمام فيجب إزالتها على كل من يدخلها ان قدر.. ومنها أيضا كشف العورات والنظر إليها. بعد ذلك يتطرق الى منكرات الضيافة ومنها فرش الحرير للرجال فهو حرام أو بتخير البخور في مجمرة فضة أو ذهب، أو الشراب، أو استعمال ماء الورد في أواني الفضة.. ومنها إسدال الستور وعليها الصور.. ومنها سماع الأوتار. ثم يتطرق بعد ذلك الى المنكرات العامة حيث يؤكد على ان منكر العالم في تقصيره في الخروج.. وأما الجاهل فتقصيره في ترك العلم. وكل عامي عرف شرط الصلاة فعليه أن يعرف غيره وإلا فهو شريك في الإثم.. وشأن الفقيه وحرفته تبليغ ما بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإن العلماء هم ورثة الأنبياء. وحق على كل مسلم أن يبدأ بنفسه فيصلحها بالمواظبة على الفرائض وترك المحرمات.