تكتسب الجولة التي يقوم بها صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز أهمية استثنائية كونها تأتي في ظروف استثنائية عربية وإقليمية خطيرة جدا جراء ما يتعرض له الشعب الفلسطيني، وانتفاضته على أيدى نازيي العصر الحديث من اعتداءات وحشية لا مثيل لها، وفي ظل حصار جائر وظالم مفروض على الضفة الغربية وقطاع غزة بهدف النيل من ارادة الشعب وانتفاضته الباسلة. لقد جاءت الزيارة التاريخية إلى سوريا لتحمل الكثير الكثير من الدلالات والمعاني ولكي يصل صدى الكلمات إلى أصقاع الأرض ولتسمع من به صمم، في الأحداث الجسام يكون لكلام الرجال العظام معنى، وأي معنى «من يحمل شرعية الحق لا يقف على اعتاب الطريق متسائلاً أو متردداً، فالحقوق لا تستجدى، إنها الشرعية التي تستمد منها قضيتنا بعد الله جلّ جلاله قوة الحجة في وجه المغتصب ومنطق المحق في تجاه طرف غلب لغة القوة على منطق العقل متناسيا ان العنف لا يولد إلا العنف، فليفعل شارون ما بدا له فاليوم قد يكون يومه، وغدا لنا إن شاء الله. فكل قطرة دم عربية واحدة سالت على أرضنا العربية لها جزية الدفع عند من أراقها، وليس العرب والمسلمون من يقبلون بغير حقهم كاملاً جزية» كلام لا يحتاج إلى التأويل والتحليل إذ انه واضح وحاسم تماماً. لقد رددت جنبات دمشق هذا الكلام، دمشق التي قدم إليها سمو الأمير لتأكيد الدعم لمواقفها، ولترسيخ الروابط الاخوية القوية التي تربط المملكة العربية مع سوريا، ومن جانبها أكدت سوريا ان منطق الاخوة العربية وتعزيز التضامن ووحدة الصف العربي هو المقدمة الأساسية لمواجهة الظروف البالغة الدقة والتعقيد التي تمر بها الأمة العربية وقضيتها المركزية فلسطين وما يتعرض له الشعب الفلسطيني من حرب ابادة حقيقية على أيدي شارون وحكومته. ان بين المملكة العربية السعودية والقضايا القومية وشائج عميقة وعلاقة لا ولن تنفصم عراها فلها سجل حافل في هذا المضمار يعود إلى سنوات طويلة ومنذ تأسيس الجامعة العربية أخذت على عاتقها التصدي إلى كافة المؤامرات التي تستهدف الشعب العربي والمساس بحريته وكرامته، فلقد قدمت كافة أشكال الدعم والمساندة للشعب الفلسطيني منذ ان حلت به النكبة عام 1948 وما زالت ملتزمة بالقضية الفلسطينية في المحافل العربية والدولية، لقد تمكنت المملكة العربية السعودية من تحقيق مكانة اقليمية ودولية بارزة تخولها الامساك بزمام المبادرة لتحشيد الطاقات العربية المشتتة هنا وهناك وصهرها في بوتقة واحدة للوقوف أمام الهجمة الإسرائيلية الشرسة التي تستهدف القدس بكل ما يحمل لها التاريخ من ماض مشرق وبما يشكله المسجد الأقصى من مكانة كبيرة لدى كل المسلمين. إن الاطماع الصهيونية لا تتوقف عند حد فهذا الكيان المزروع وسط جسد الأمة العربية، هو كيان هلامي غير واضح الحدود، ان «ثيودور هرتزل» الأب الروحي للصهيونية يذكر في كتابه «الدولة اليهودية» ان حدود الدولة اليهودية تتحدد وفق احتياجات سكانها وحقها في الحركة الاقتصادية الحرة في مجالها الحيوي الذي هو المنطقة العربية، ليس الشعب الفلسطيني ولا الأرض الفلسطينية فحسب هما المستهدفان بل الشعب العربي والأرض العربية كذلك. ان المتتبع للحركة السياسية العربية وفي مقدمتها سوريا والمملكة العربية السعودية اللتان تشكلان قوسا استراتيجيا له اهميته ومكانته الاقليمية يشهد تطورا ملحوظا، فبعد التوصيف الدقيق الذي قدمه الرئيس الأسد في القمة العربية في عمان للطبيعة العنصرية للمجتمع الإسرائيلي، يأتي الكلام الحازم الجازم الذي أطلقه صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله في دمشق والذي سبقه برفضه الدعوة الرسمية التي وجهت له من قبل واشنطن احتجاجاً على انحيازها المطلق لإسرائيل وإيجاد الغطاء والمبرر لجرائم شارون وحكومته، ان هذا الانحياز والتستر لم يعد مقبولاً على الإطلاق، ان العربي الأصيل القادم من أرض الرسول الكريم، ما زالت العزة والنخوة العربية مستقرة في وجدانه وتصبغ سلوكه بصبغتها المشبعة بالعنفوان والإباء العربي.. فليحذروا غضبة الحليم إذا غضب..