لقد كانت فكرة توحد المغرب العربي صنواً لفكرة الاستقلال لدى الشعوب المغاربية، ولذا سعت احزاب وحركات التحرر في المغرب إلى إعلان الوحدة المغاربية قبل نيل الشعوب المغاربية لاستقلالها عن المستعمر الأوروبي، وهكذا عقدت اللقاءات الشعبية الكثيرة لوضع التصورات اللازمة لتحقيق الوحدة المغاربية. وكان ذلك في فرنسا والقاهرة وطنجة، ولما استقلت دول المغرب العربي، فإنها انصرفت أولا إلى بناء الدولة القطرية المأخوذة بتداعيات الثنائية القطبية، لكن حلم الشعوب المغاربية في إنشاء كيان يجمعها لم تنطفئ جذوته. ولما حدث التغيير في تونس كان الرئيس زين العابدين بن علي سباقاً لإعلان نيته في احياء فكرة المغرب العربي الموحد حين قال بالحرف الواحد في بيان السابع من نوفمبر: )سنعمل بخطى ثابتة على تجسيم وحدة المغرب العربي الكبير في نطاق المصلحة المشتركة( ولم تقف رغبة بن علي في احياء فكرة المغرب العربي عند هذا الحد بل انه اشفع ذلك بجهود دبلوماسية لا تكل، ترأسها شخصياً أو أوفد في إطارها مبعوثين له. وقابل ذلك تفاعل من طرف اخوانه في الدول المغاربية الأخرى حتى سنة 1988 حين تم انعقاد قمة زرالدا بالجزائر وهي القمة التي حددت تاريخا لإعلان إنشاء اتحاد المغرب وكان ذلك عندما انعقدت القمة المغاربية التاريخية بمراكش في 17/2/1989 والتي اعلن فيها عن إنشاء الاتحاد المغاربي، ومنذ ذلك التاريخ لم يدخر بن علي أي جهد في سبيل تقوية هياكل وهيئات المغرب العربي. وكلما حدث ما يعكر جو العلاقات بين دول الاتحاد نرى بن علي يبادر بالعمل الدبلوماسي الهادئ لتلافي ذلك الأثر على انسيابية عمل الاتحاد وقد جدد الرئيس بن علي دعوته اخيرا إلى تفعيل مؤسسات المغرب العربي مؤكدا في ذات الوقت عزمه الثابت على المضي قدما من اجل استئناف المسيرة المغاربية وتجسيد مشروع اتحاد المغرب العربي كإطار أمثل للتعاون والتضامن والتكامل، مما يؤدي إلى مزيد من تشابك المصالح بين بلدان المغرب العربي ويعزز الأمن والاستقرار في المنطقة، كما ان ذلك سيساعد على تأمين الحضور الفاعل للدول المغاربية في حوض المتوسط وفي العالم، بما يعزز مقومات التفاعل بكل ثقة واقتدار بين المغرب العربي والتجمعات الأخرى في ظل التحولات العميقة التي تشهدها الساحة الدولية ويمكن الاتحاد من الانخراط في الدورة الاقتصادية العالمية. وتنطلق النظرة التونسية للمغرب العربي من مرجعية استراتيجية ترى ان متطلبات العصر وواقع العولمة لا يسمحان لكل دولة مغاربية ان تواجه ذلك بمفردها. كما ان قيام اتحاد مغاربي ليس سوى حلقة في طريق قيام الوحدة الاقتصادية العربية الشاملة، تلك الوحدة التي ستعطي للعرب مكانة بارزة في رسم التوجهات الاقتصادية والسياسية العالمية، ولعل ذلك هو ما يفسر انه كلما ضعف حماس الفرقاء المغاربيين وقلت ديناميكية العمل الاتحادي نتيجة لأي طارئ فإن الدبلوماسية تجند بتوجيه مباشر من الرئيس بن علي لإعادة الدفء لمناخ الاتحاد. ولعل الرسائل التي بعث بها بن علي في الذكرى الحادية عشرة لقيام الاتحاد الى اخوته قادة المغرب العربي والتي تدخل في إطار مبادرة تبرز عزم الرئيس التونسي على تحريك المسار المغربي، انما تدخل في هذا السياق. يقول الرئيس التونسي في هذا الصدد: )ان تونس التي آمنت دوما بحتمية التمشي المغاربي باعتباره خيارا استراتيجيا ومطمحاً تاريخيا للشعوب المغاربية لتجدد التعبير عن عزمها الراسخ لمواصلة الجهد مع سائر شقيقاتها في المنطقة من اجل تحقيق هذه الغاية النبيلة». ولئن كانت حالة الاتحاد تعتريها في بعض الأحيان مظاهر التراخي الذي يصل أحيانا حد الجمود فإن ذلك إنما كان من عزم القيادة التونسية على العمل الجاد والدؤوب لكسر ذلك الجمود وإزاحة حالة التراخي من خلال مجهود دبلوماسي رصين وواع بالمسؤولية التاريخية. ويكفينا ان نذكر هنا ما بذله الرئيس بن علي ويبذله في الوقت الحالي لإعادة الدفء والحيوية للجسد المغاربي وعلاقات دوله، وهو في سبيل ذلك اوفد المبعوثين وسير الوفود تجوب كافة أقطار المغرب العربي من اجل اقناع اخوته قادة المغرب العربي بضرورة التلاقي والبحث عن مخارج لكل العوائق التي تحول دون سير القاطرة المغاربية على سكتها الطبيعية، ولذا فقد تكررت اللقاءات في الفترة الأخيرة بين الرئيس التونسي وقادة المغرب العربي وذلك عندما استقبلهم جميعاً في زيارات اخوية إلى تونس. ويمكننا من خلال متابعتنا لليالي الدبلوماسية المغاربية ان نجزم بأن الأمل في إحياء الاتحاد المغاربي ظل يقوى يوماً بعد يوم، كما ان ثقتنا في صلابة الإرادة التي يتحلى بها قادته يزيد من الاستبشار خيرا بمستقبل واعد لهذا التجمع العربي الكبير. ولطالما كانت للرئيس التونسي صولات وجولات فاعلة في هذا الاتجاه.