في معرض مناقشتي لواقع الشباب في المقالة السابقة، طرحت سؤالا وقطعت وعدا بالإجابة، أما السؤال فكان نصه: هل نحن شعب قديم أم جديد أم يا ترى إننا قديم/جديد ..، وما علاقة هذا السؤال بموضوع الشباب؟ .. حسنا أقول إن المتمعن بأمر ثقافتنا سيتبين له أنها ثقافة تحوي مواقف سلبية في الغالب نفسية ضد عنصر الشباب كمفهوم ثقافي وكعنصر اجتماعي يمثل فئة اجتماعية لها الغلبة في العدد وحتما سيكون لها الغلبة في التأثير الاجتماعي مستقبلا. إن من أسباب المواقف الثقافية السلبية ضد الشباب ما له صلة «بثقافتنا العربية» على وجه الإجمال كما يتضح في ثنايا تراثنا العربي ويتجاوز حدود موضوع مقالتنا هذه، غير انه يجب القول ان من أسباب هذه المواقف الثقافية السلبية ما يكمن في حقيقة كون مجتمعنا يضم القديم/ الجديد زمنيا ولهذا يصح القول بأننا شعب قديم/جديد استدلالا بأن بعضا من أجيالنا الأولى منحهم الله المزيد من العمر والصحة لا يزالون على قيد الحياة، ونحن شعب قديم/جديد ايضا انطلاقا من حقيقة العمر القصير لنهضتنا المباركة وخصوصا فيما يتعلق منها بالجوانب المادية من الثقافة، ونحن شعب قديم/جديد كذلك بدليل مماحكة الماضي والحاضر لدينا بل احتكاكهما الى درجة ان «شرر احتكاكهما!» يشغلنا في الغالب عن التفكه والتفكر في مستقبل ما في حاضرنا من ظواهر لها مستقبل!، إننا شعب قديم/جديد كذلك في ظل الحقيقة الماثلة في ترددنا في الغالب عن تقبل الجديد بسهولة ويسر، بل بكل صراحة في خوفنا من الجديد وتجاهله حتى يحل علينا ضيف لم نستعد له البتة، ولنا خير شاهد على ذلك في الفضائيات التي دخلت علينا قسرا رغم ما اتخذ من وسائل ووسائل دفاعية، وهو أمر ما كان له ان يحدث فيما لو بادرنا في أول الأمر فتقبلناها بشروطنا نحن بطريقة تضمن السيطرة عليها وتقننها وفي التقنين سيطرة واحتواء، وأخيرا فنحن شعب قديم/جديد من حيث ان لدينا مدناً تحوي أريافا وأريافا تحوي «قيما مدنية» بغض النظر عن الحقيقة المفترضة أو الحالة الطبيعية في كافة أرجاء العالم المتمثلة في أن للمدن طابع المدن بذات مستقلة عن الأرياف، وللأرياف ما يخص حياة الريف بقيمها الضيقة وتوجهاتها وطرائق عيشها انبثاقا من الريف اليه. إن هذه العوامل حالت وتحول دون تحقق ما هو مفترض ان يتحقق من لدن علاقة المدن بالأرياف، وأعني بذلك ضرورة انبثاق التأثير القيمي من المدينة الى الريف وليس العكس كما هو الواقع لدينا، ولهذه الأسباب تصطبغ العديد من مفاهيمنا الحياتية المعاشة بالغموض والتناقض والازدواج، فعلى سبيل المثال ستجد ان مفهوم «الترويح» ثقافيا يكاد ان يكون مرادفا للعيب والعبث والترف وما ذلك إلا «قيمة ريفية» لأن الريف لا يحتاج ما تحتاجه المدن وسكانها من ترويح بريء يُجنِّب القلوب الكلل والعمى، بل لهذه الأسباب ايضا ستلاحظ خلو مكتباتنا الى حد العدم من أدب الأطفال المشتق من لدن الثقافة المحلية لا المستورد من ثقافات أجنبية وما ذلك إلا لأن عقلية الريف لديها ما يشغل الطفل مع والديه زراعة وفلاحة، وأخيرا لهذه الأسباب سنجد أن ما يحدث في المدن له وقع حدوثه في الأرياف، فعلى سبيل المثال قد يحدث شيء ما، شيء له علاقة بالشباب وليكن تفحيطاً او عبثاً باعثه مناسبة رياضية او خلافها، وحينها نستيقظ بالمدينة والريف معا مفزوعين على أصداء الحدث، ويهب الجميع ليدلوا بدلائهم المليئة بالوصفات «العلاجية» بغض النظر عن التخصص او التأهيل، ويختلط حابل ردات الفعل بنابل العواطف، وحينها تتوارى الموضوعية وينتفي التجرد العقلاني اللازم في مثل هذه المواقف، فننسى أهمية التمعن في الحاضر بعين والرنو الى المستقبل بعين أخرى دراسة وتمحيصا وتخطيطا وعقوبة وخلافها.. بل ندخل فيما يشبه البيات الشتوي وننسى الحادثة حتى يحدث منها في العام القادم ما يُذكِّرنا بما حدث منها في العام الفارط مُشهرِين نفس الأسلحة غير الفاعلة بدليل تكرر الحدث ذاته .. وهكذا دواليك دواليك. في شدو الأحد القادم ان شاء الله تواصل شدو مناقشة الموضوع تعاملا مع أبعاد السؤال التالي: ما هي «حكاية!» ثقافتنا مع مفهوم «الترفيه» لدينا رغم أهمية الترفيه بوصفه وسيلة تربوية فاعلة.. ومرة أخرى ما علاقة هذا السؤال بموضوع الشباب ..؟ ص ب 454 رمز 11351 الرياض