كان الأمن الوطني الى سنوات قليلة لا يحتاج من إعداد القوة إلا إلى قوتين: قوة أمن داخلي لحماية المجتمع من الجرائم الجنائية، وقوة دفاع لحمايته من المعتدي الخارجي، أما الآن فقد تغير الحال فلم يعد الأمن الوطني يقتصر على إعداد قوة أمنية عسكرية فحسب بل أصبح يحتاج لاعداد قوى لحماية الأمن الفكري والإعلامي والغذائي والمائي والصحي وغيرها، فكل شأن أصبح يحتاج لقوة لمواجهة مخاطره القريبة والبعيدة. قبل أيام عشنا في الرياض مشكلة الماء حين انقطع امداد المياه بسبب تلف أنبوبين مغذيين من أنابيب التحلية، وحصل للناس من الشدائد ما حصل ونحن نتمتع باستقرار أمني، وقد هرعت النفوس التي تقتنص الأزمات للإثراء فرفعت سعر صهريج الماء الى ما يزيد عن ألف ريال فضلاً عن طول الانتظار والتعب في سبيل الحصول عليه، هذا إذا وثق بنظافة المياه وألا تكون تلك النفوس الشرهة قد عبأت الماء من مصادر غير نظيفة. وكان للأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض دوره الرائد في سرعة معالجة الأزمة، والعمل ليل نهار حتى تم اصلاح الخلل وعودة المياه الى مجاريها، واطمئنان أهل الرياض بعد أيام من القلق كان لا هم لهم ولا حديث إلا عن الماء، وما حصل للرياض يمكن أن يحصل لأي مدينة من مدن بلادنا. إن الأزمة التي مرت بها الرياض تعطي مؤشراً لضرورة اعداد القوة لكل ما يمكن أن يهدد أمننا، ليس لتوقع الأزمات فقط بل وللأجيال اللاحقة، فأهم ما ننعم به في هذه البلاد هو الأمن، وإذا فقدناه - لا سمح الله- لا ينفع البترول ولا أرصدة البنوك فهي لا تملأ بطناً، ولا تزيل عطشاً، ولا تمنح نومة هانئة بين الأهل. إن مشكلة المياه عندنا ليست في احتمال الانقطاع المفاجىء فحسب بل في الاسراف في الماء اسرافا لا يفعله من يسكن على نهر جار، فمصلحة المياه إذا رأت قطرات من ماء متسربة من أحد البيوت وجهت إنذاراً، وفرضت غرامة مالية، وقد تقلع عداد الماء، ولكنها تتغافل عما يجري داخل البيوت، حين يُغسل بالماء الحلو الأحوشة، وتسقى به الحدائق، والأكثر والأهم هو ان ما يصرف عبر طرادات المياه في الحمامات )السيفونات( أضعاف ما يستهلكه السكان في الشرب والطبخ، ولم يوجد حل لذلك كالالزام بتصنيع طرادات صغيرة، أو وضع شبكة لهذه الطرادات ولسقيا الزرع من مياه الصرف المعالجة في درجات دنيا. إن تخفيف استهلاك الماء لن ينفع فيه رفع سعر الاستهلاك وها هو البنزين والكهرباء قد رفع سعرهما فلم ينقص استهلاكهما لأن هذه أمور لا غناء عنها، ولكن الحل هو في الترشيد الملزم، وأقول الملزم، لأنه ثبت أن المواعظ التوعوية لم تعد مجدية، وان المجدي هو ايجاد الحلول والزام الناس بها. إننا في نعمة أمن من الخوف والجوع ولكننا بحاجة الى خطط قريبة وبعيدة للحفاظ عليها، بحاجة الى خطط فاعلة للحاضر، وخطط ناجعة للمستقبل، ولا يكفي أن نكرر أننا في أمن بل ينبغي أن ننتقل الى مرحلة كيف نحافظ على أمننا بسد كل ثغرة يمكن أن تعكره لا سمح الله، فلو رُشِّد استهلاك الماء ووضع احتياط من المياه الجوفية وفائض المياه المحلاة من جراء الترشيد لوجدنا الحل البديل عند حدوث أزمة مفاجئة كما حدث في الرياض. للتواصل ص.ب 45209 الرياض 11512 الفاكس 4012691