ماذا تفعل للتخفيف عن نفسك إذا اعتراك يوماً ما شعور من الغضب والضيق وارتفاع في الضغط وتوترت أعصابك وضاقت بك نفسك؟ هذه مشاعر تشترك فيها كثير من العواطف السلبية والغيرة أحدها. وقد أوجدها الله سبحانه وتعالى في الإنسان لأسباب لا نعلم إلا ظواهرها وهي أنها من مقومات البقاء. فهي تحفز الإنسان منذ الطفولة على المزاحمة والعمل وأخذ مكانه في الحياة. ولكن إذا لم تشكم وتحصر في حدودها فإنها خطر تدمر صاحبها ومن حوله. وسأشرح لك تجربتي في مكافحة هذه الآفة بعد أن أعطيك فكرة عن ماهيتها. فالغيرة وحش يعتري الصغير والكبير رجالاً ونساء ولا يوفر أحداً. وكل إنسان قد عانى من الغيرة والإنسان الشديد الغيرة عادة لا يقدر الغيرة في الآخرين. فإذا رأى الإنسان يغار من شيء سخر منه، ذلك لأن قلة من الناس فقط لديها الموهبة والمران لتقمص عواطف الآخرين والإحساس بها. والنساء قد يكن أقدر من الرجال على الإحساس بمشاعر الغيرة لدى الغير. والمتدبر لسلوك الناس يرى الغيرة فيها ولكنها متخفية تحت ستر شتى وأحياناً حتى الشخص الغائر لا يعرف أنها غيرة وإن عرف فلا يقر بها. وتظهر الغيرة أكثر ما تظهر بصورة غضب يبرر بدوافع أخلاقية. فترى الغائر يقول: «لست حاسداً فلاناً على اختياره لذلك المركز ولكني مشفق على الناس وعلى البلد من تولي مثل هؤلاء الناس الهابطين لهذه المراكز». والغيرة فطرة لأن الطفل يغار من قبل أن يعلمها أحد. ثم يبدأ يتغلب عليها أو على الأقل من حدتها ويخفي ما لم يقدر أن يتغلب عليه بعد أن عرف أنها غير مرغوبة. ولا أعتقد أن الإنسان يستطيع القضاء عليها مرة واحدة إلا من منَّ الله عليهم بالإيمان العميق والزهد في الدنيا. وبعض العواطف تتوقف عن النمو إذا لم يهيأ لها المجال لتنمو. ولذلك فإن الشخص الذي كان مدللاً في الصغر أو كان وحيد أهله غالباً ما تبقى فيه الغيرة حادة كيوم طفولته ذلك أنه لم يهيأ له المجال لينافس ويعارك مع إخوانه أو مع أترابه ويتعلم كيف يتعامل مع غيرته لتنمو مع نموه العقلي والبدني. ويعزو علماء النفس الغيرة إلى أسباب متعددة ولكنها تظهر أكثر في أولئك الذين تتدنى فيهم الثقة بالنفس والاعتزاز بها، وفي الذين تعثروا في مجال الرغبة والطموح، وفي الذين يضعون لأنفسهم أهدافاً عالية غير واقعية. فالذين ثقتهم واعتزازهم بأنفسهم متدنية ولديهم شعور بأنهم أقل من المستوى المطلوب يبالغون في تصوير المخاطر التي سيواجهونها إذا فشلوا في الاحتفاظ بما حققوه أو بما هم بصدد تحقيقه. كذلك تكون الغيرة في مجال رغبات المرء وطموحاته. فلا يغار الإنسان عادة إلا ممن ينافسونه في هذه المجالات وممن هم في مستواه. ونادراً ما يغار ممن هم فوقه كثيراً أو دونه. أما من هم الذين فوقه والذين هم دونه فهذا يخضع لرؤيته هو وتصنيفه لنفسه مع أية فئة يراها بغض النظر عما يراه الآخرون. فالقول بأن المرء حيث يضع نفسه هو قول سليم. والأمر الثالث هو أن الغيرة تبدو أكثر في الذين تفوق طموحاتهم قدراتهم فهؤلاء يتعرضون للإحباط أكثر من غيرهم. وكلما بعدت المسافة بين واقع الإنسان وبين أهدافه زادت غيرته. طريقتي في مكافحة هذا الوحش 1 الدعاء إلى الله في كل وقت وعند كل صلاة بأن يريني الأمور على حقيقتها دون تهويل وأن يطهر نفسي من الغيرة والحسد وكل الصفات السيئة. 2 استهلاك الطاقة المتولدة نتيجة الغضب بالمشي والرياضة. 3 يمكن الهروب من هذه المشاعر وإلهاء النفس في عمل جسدي أو ذهني يحتل كل المشاعر. ولكن هذه الطريقة قد تخفف عن الإنسان ولكنها تعطيه مناعة عن الحالات القادمة لأن دواعي الإثارة تبقى مدفونة تنتظر المحفزات. 4 لذلك فإني أقوم بالبحث في قرارة نفسي عن المخاوف والتهديدات التي يصورها لي هذا الأمر وأعمل بها قائمة، ثم أبحث عن تجارب سابقة مماثلة أثرت فيَّ وزادت من غيرتي. 5 تفنيد كل نقطة من هذه النقاط ورؤيتها على حقيقتها وفي إطار الزمن الحاضر. واتباع هذا الأسلوب سيخفف منها وأحياناً يقضي عليها لأنها تكون متأثرة بأحداث سابقة وبمجرد الوعي بها تزول وأحياناً تظهر المخاوف بعد التبصر بها هينة بعد زوال التهويل ورؤيتها في الحاضر. 6 هذه الطريقة تعطي مناعة لما بعدها، وإذا ثابر المرء عليها فإنه سيجد أنه كل مرة تعتريه الغيرة تكون حدتها أقل من التي قبلها.والله الموفق. [email protected]